إِذا تمهد هَذَا فَنَقُول:
كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة مناقشات فِي بَاب الْمهْر، وَكَانُوا يتشاحون بِالْمَالِ، ويحتجون بِأُمُور، فَقضى الله تَعَالَى فِيهَا بالحكم الْعدْل على هَذَا الأَصْل، فَإِن سمى لَهَا شَيْئا، وَدخل بهَا فلهَا الْمهْر كَامِلا سَوَاء مَاتَ عَنْهَا أَو طَلقهَا لِأَنَّهُ قد تمّ لَهُ سَبَب الْملك وأثره، وأفضى الزَّوْج إِلَيْهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
{وَقد أفْضى بَعْضكُم إِلَى بعض وأخذن مِنْكُم ميثاقا غليظا} .
وَإِن سمى لَهَا، وَلم يدْخل بهَا، وَمَات عَنْهَا فلهَا الْمهْر كَامِلا، لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ تقرر الْأَمر وَعدم الدُّخُول غير ضار وَالْحَالة هَذِه لِأَنَّهُ بِسَبَب سماوي، فان طَلقهَا فلهَا نصف الْمهْر على هَذِه الْآيَة، لتحَقّق أحد الْأَمريْنِ دون الآخر، فَحصل شبهان: شبه بِالْخطْبَةِ من غير نِكَاح، وَشبه بِالنِّكَاحِ التَّام، وَإِن لم يسم لَهَا شَيْئا وَدخل بهَا فلهَا مثل صدَاق نسائها، لَا وكس، وَلَا شطط، وَعَلَيْهَا الْعدة، وَلها الْمِيرَاث، لِأَنَّهُ تمّ لَهَا العقد بِسَبَبِهِ وأثره، فَوَجَبَ أَن يكون لَهَا مهر، وَإِنَّمَا يقدر الشَّيْء بنظيره وَشبهه، وصداق نسائها أقرب مَا يقدر بِهِ فِي ذَلِك، وَإِن لم يسم لَهَا شَيْئا، وَلم يدْخل بهَا فلهَا الْمُتْعَة لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون عقد نِكَاح خَالِيا عَن المَال، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
{أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} .
وَلَا سَبِيل إِلَى إِيجَاب الْمهْر لعدم تقرر الْملك وَلَا التَّسْمِيَة، فَقدر دون ذَلِك بِالْمُتْعَةِ، وَجعل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرّة سورا من الْقُرْآن مهْرا، لِأَن تعليمها أَمر ذُو بَال يرغب فِيهِ، وَيطْلب كَمَا ترغب وتطلب الْأَمْوَال، فَجَاز أَن يقوم مقَامهَا، وَكَانَ النَّاس يعتادون الْوَلِيمَة قبل الدُّخُول بهَا، وَفِي ذَلِك مصَالح كَثِيرَة.
مِنْهَا التلطف بإشاعة النِّكَاح، وَأَنه على شرف الدُّخُول بهَا إِذْ لَا بُد من الإشاعة لِئَلَّا يبْقى مَحل لوهم الواهم فِي النّسَب؛ وليتميز النِّكَاح عَن السفاح بادى الرَّأْي، ويتحقق اخْتِصَاصه بهَا على أعين النَّاس.
وَمِنْهَا شكره مَا أولاه الله تَعَالَى من انتظام تَدْبِير الْمنزل بِمَا يصرفهُ الآيه عباده، وينفعهم بِهِ.
وَمِنْهَا الْبر بِالْمَرْأَةِ وقومها فَإِن صرف المَال لَهَا، وَجمع النَّاس فِي أمرهَا يدل على كراماتها عَلَيْهِ وَكَونهَا ذَات بَال عِنْده، وَمثل هَذِه الْأُمُور لَا بُد مِنْهَا فِي إِقَامَة التَّأْلِيف فِيمَا بَين أهل الْمنزل لَا سِيمَا فِي أول اجْتِمَاعهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute