للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرِّجَال فَإِن الرجل يُقَاتل الرجل، فَكَانَت هَذِه الصُّورَة أَحَق بِإِيجَاب الْقود؛ ليَكُون ردعا وزجرا عَن مثله.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَا يقتل مُسلم لكَافِر ". أَقُول: والسر فِي ذَلِك أَن الْمَقْصُود الْأَعْظَم فِي الشَّرْع تنويه الْملَّة الحنيفية، وَلَا يحصل إِلَّا بِأَن يفضل الْمُسلم على الْكَافِر، وَلَا يُسَوِّي بَينهمَا.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَا يُقَاد الْوَالِد بِالْوَلَدِ " أَقُول: السَّبَب فِي

ذَلِك أَن الْوَالِد شفقته وافرة، وحبه عَظِيم، فاقدامه على الْقَتْل مَظَنَّة أَنه لم يتعمده. وَإِن ظَهرت مخايل الْعمد أَو كَانَ لِمَعْنى أَبَاحَ قَتله، وَلَيْسَت دلَالَة هَذِه اقل من دلَالَة اسْتِعْمَال مَا لَا يقتل غَالِبا على أَنه لم يقْصد إزهاق الرّوح.

وَأما الْقَتْل شبه الْعمد، فَقَالَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" من قتل فِي عمية فِي رمي يكون فيهم بِالْحِجَارَةِ أَو جلد بالسياط أَو ضرب بعصا فَهُوَ خطأ وعقله عقل الْخَطَأ ".

أَقُول: مَعْنَاهُ أَنه يشبه الْخَطَأ وَأَنه لَيْسَ من الْعمد وَأَن عقله مثل عقله فِي الأَصْل، وَإِنَّمَا يتمايزا فِي الصّفة، أَو أَنه لَا فرق بَينه وَبَينه فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي الدِّيَة الْمُغَلَّظَة. فَقَوْل ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: إِنَّهَا تكون أَربَاعًا خمْسا وَعشْرين جَذَعَة. وخمسا وَعشْرين حقة، وخمسا وَعشْرين بنت لبون، وخمسا وَعشْرين بنت مَخَاض، وَعنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلا إِن فِي قتل الْعمد الْخَطَأ بِالسَّوْطِ أَو الْعَصَا مائَة من الْإِبِل مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها الأولادها، وَفِي رِوَايَة " ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خَلفه " وَمَا صولحوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُم ".

وَأما الْقَتْل الْخَطَأ فَفِيهِ الدِّيَة المخففة المخمسة عشرُون بن مَخَاض. وَعِشْرُونَ ابْن مَخَاض. وَعِشْرُونَ بنت لبون. وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة، وَفِي هذَيْن الْقسمَيْنِ إِنَّمَا تجب الدِّيَة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين.

وَلما كَانَت هَذِه الْأَنْوَاع مُخْتَلفَة الْمَرَاتِب روعي فِي ذَلِك التَّخْفِيف والتغليظ من وُجُوه:

مِنْهَا أَن سفك دم الْقَاتِل لم يحكم بِهِ إِلَّا فِي الْعمد. وَلم يَجْعَل فِي الباقيين إِلَّا الدِّيَة، وَكَانَ فِي شَرِيعَة الْيَهُود الْقصاص لَا غير: فَخفف الله على هَذِه الْأمة،

فَجعل جَزَاء الْقَتْل

<<  <  ج: ص:  >  >>