وَمهما غلبت خِصَال البهيمية على الْعقل صَار جربزة وَأَحَادِيث نفس تميل إِلَى بعض الدَّوَاعِي الطبيعية فَيحدث نَفسه بِالْجِمَاعِ إِن كَانَ فِيهِ شبق، وبأنواع الطَّعَام إِن كَانَ فِيهِ جوع وَنَحْو ذَلِك، أَو وَحي الشَّيْطَان فَيكون أَحَادِيث النَّفس تميل إِلَى فك النظامات الفاضلة وَشك فِي المعتقدات الحقة وَإِلَى الهيآت
مُنكرَة تعافها النُّفُوس السليمة، وَمهما غلبت عَلَيْهِ خِصَال الملكية فِي الْجُمْلَة كَانَ عقلا من فعله التَّصْدِيق بِمَا يجب تَصْدِيقه من الْعُلُوم الارتفاقية أَو الاحسانية بديهية أَو نظرا، وَمهما قوى نوره وصفاؤه كَانَ سر من فعله قبُول عُلُوم فائضة من الْغَيْب رُؤْيا وفراسة وكشفا وهتفا وَنَحْو ذَلِك، وَمهما مَال إِلَى المجردات الْبَريَّة من الزَّمَان وَالْمَكَان كَانَ خفِيا.
وَمهما انحدر الطَّبْع إِلَى الْخِصَال البهيمية كَانَ نفسا أَمارَة بالسوء، مهما كَانَ مترددا بَين البهيمية والملكية وَكَانَ الْأَمر سجالا ونوبا كَانَ نفسا لوامة، وَمهما تقيدت بِالشَّرْعِ وَلم تَبْغِ عَلَيْهِ وَلم تنبجس إِلَّا فِيمَا موافقه كَانَت نفسا مطمئنة.
هَذَا مَا عِنْدِي من معرفَة لطائف الْإِنْسَان وَالله أعلم.
وفتنة الرجل فِي أَهله وَهِي فَسَاد تَدْبِير الْمنزل، وإليها الْإِشَارَة فِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن أبليس يضع عَرْشه - إِلَى أَن قَالَ - ثمَّ يجِئ أحدهم فَيَقُول: مَا تركته حَتَّى فرقت بَينه وَبَين امْرَأَته فيدنيه مِنْهُ وَيَقُول: نعم أَنْت ".
وفتنة تموج كموج الْبَحْر وَهِي فَسَاد تَدْبِير الْمَدِينَة وطمع النَّاس فِي الْخلَافَة من غير حق، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِن الشَّيْطَان قد أيس أَن يعبده المصلون من جَزِيرَة الْعَرَب " وَلَكِن فِي التحريش بَينهم.
وفتنة ملية وَهِي أَن يَمُوت الحواريون من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويستند الْأَمر إِلَى غير أَهله فيتعمق رهبانهم وَأَحْبَارهمْ ويتهاون مُلُوكهمْ وجهالهم وَلَا يأمرون بِمَعْرُوف وَلَا ينهون عَن مُنكر فَيصير الزَّمَان زمَان الْجَاهِلِيَّة، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَا من نَبِي إِلَّا كَانَ لَهُ حواريون " الحَدِيث.
وفتنة مستطيرة وَهِي تغير النَّاس من الإنسانية ومقتضاها فأزكارهم
وأزهدهم إِلَى الانسلاخ من مقتضيات الطَّبْع رَأْسا دون إصلاحها والتشبه بالمجردات والتحنن إِلَيْهِم بِوَجْه من الْوُجُوه وَنَحْو ذَلِك، وعامتهم إِلَى البهيمية الْخَالِصَة وَيكون نَاس بَين الْفَرِيقَيْنِ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ.
وفتنة الوقائع الجوية المنذرة بالإهلاك الْعَام كالطوفانات الْعَظِيمَة من الوباء والخسف وَالنَّار المنتشرة فِي الأقطار وَنَحْو ذَلِك.
وَقد بَين النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَكثر الْفِتَن قَالَ: " لتتبعن سنَن من كَانَ قبلكُمْ شبْرًا بشبر وذراعا بِذِرَاع حَتَّى لَو دخلُوا جُحر ضَب تبعتموهم " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يذهب الصالحون الأول