فالحالة الأولى تسمى حَدثا، وَالثَّانيَِة الطَّهَارَة، والذكي من النَّاس، وَالَّذِي يرى مِنْهُ سَلامَة أَحْكَام النَّوْع وتمكين الْمَادَّة لأحكام الصُّورَة النوعية يعرف الْحَالَتَيْنِ متميزة كل وَاحِدَة من الْأُخْرَى، وَيُحب إِحْدَاهمَا، وَيبغض الْأُخْرَى لطبيعته، والغبي مِنْهُم إِذا أَضْعَف شَيْئا من البهيمية، ولج بالطهارات والتبتل، وتفرغ لمعرفتها، لَا بُد يعرفهما ويميز كل وَاحِدَة من الْأُخْرَى، وَالطَّهَارَة أشبه الصِّفَات النسمية بحالات الْمَلأ الْأَعْلَى فِي تجردها عَن الألواث البهيمية، وابتهاجها بِمَا عِنْدهَا من النُّور، وَلذَلِك كَانَت معدة لتلبس النَّفس
بكمالها بِحَسب الْقُوَّة العملية، وَالْحَدَث إِذا تمكن من الْإِنْسَان وأحاط بِهِ من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه أورث لَهُ اسْتِعْدَادًا لقبُول وساوس الشَّيَاطِين ورؤيتهم بحاسة الْحس الْمُشْتَرك، ولمنامات موحشة، ولظهور الظلمَة عَلَيْهِ فِيمَا يَلِي النَّفس النطقية، وتمثل الْحَيَوَانَات الملعونة اللئيمة وَإِذا تمكنت الطَّهَارَة مِنْهُ، وأحاطت بِهِ، وتنبه لَهَا، وركن إِلَيْهَا أورثت اسْتِعْدَادًا لقبُول إلهامات الْمَلَائِكَة ورؤيتها، ولمنامات صَالِحَة، ولظهور الْأَنْوَار، وتمثل الطَّيِّبَات والأشياء الْمُبَارَكَة المعظمة.
وَالثَّانيَِة: الإخبات لله تَعَالَى، وَحَقِيقَته أَن الْإِنْسَان عِنْد سَلَامَته وتفرغه إِذا ذكر بآيَات الله تَعَالَى وَصِفَاته، وأمعن فِي التَّذَكُّر تنبهت النَّفس النطقية، وخضعت الْحَواس والجسد لَهَا، وَصَارَت كالحائرة الكليلة، وَوجد ميلًا إِلَى جَانب الْقُدس، وَكَانَ كَمثل الْحَالة الَّتِي تعتري السوقة بِحَضْرَة الْمُلُوك، وملاحظة عجز أنفسهم، واستبداد أُولَئِكَ بِالْمَنْعِ وَالعطَاء، وَهَذِه الْحَالة أقرب الْحَالَات النسمية، وأشبهها بِحَال الْمَلأ الْأَعْلَى فِي توجهها إِلَى بارئها، وهيمانها فِي جَلَاله، واستغراقها فِي تقديسه وَلذَلِك كَانَت معدة لخُرُوج النَّفس إِلَى كمالها العلمي أَعنِي انتقاش الْمعرفَة الإلهية فِي لوح ذهنها، واللحوق بتك الحضرة بِوَجْه من الْوُجُوه وَإِن كَانَت الْعبارَة تقصر عَنهُ.
وَالثَّالِثَة: السماحة، وحقيقتها كَون النَّفس بِحَيْثُ لَا تنقاد لدواعي الْقُوَّة البهيمية، وَلَا يتشبح فِيهَا نقوشها، وَلَا يلْحق بهَا ضَرَر لوثها، وَذَلِكَ لِأَن النَّفس إِذا تصرفت فِي أَمر معاشها، وتاقت للنِّسَاء، وعاسفت اللَّذَّات، أَو قرمت لطعام فاجتهدت فِي تَحْصِيله حَتَّى استوفت مِنْهَا حَاجَتهَا، وَكَذَلِكَ إِذا غضِبت أَو شحت بِشَيْء، فَإِنَّهَا لَا بُد فِي تِلْكَ الْحَالة تستغرق سَاعَة فِي هَذِه الْكَيْفِيَّة لَا ترفع إِلَى مَا وَرَائِهَا النّظر أَلْبَتَّة، ثمَّ إِذا
زايلت تِلْكَ الْحَالة، فَإِن كَانَت سَمْحَة خرجت من تِلْكَ المضايق كَأَن لم تكن فِيهَا قطّ، وَإِن كَانَت غير
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute