ـوما كان هذا ليكلفني غير جمع المادة وترتيبها وأجعل العهدة فيه على المصحح، وأترك الناس تَبعًا مُقَلِدةً خصوصًا للمتأخرين والمعاصرين.
ولكن هيهات فإن الأمر أعسر من ذا بكثير بل يشبه زحزحة جبل عن موضعه لموضع دونه.
وذلك أنَّ المتأخرين من لدن النووي إلى عصرنا لا يكاد أحدٌ منهم يوافق من المتقدمين في منهج التصحيح والحكم على الأحاديث لظاهريتهم في الحكم على الأسانيد، فقد تبين لي أنَّ الحاكم منهم إنما يحكم على الحديث لمجرد ثقة رواته دون الالتفات لإعلال الأئمة النقاد - خصوصًا ما صرحوا بإعلاله - وقد كان يسعهم أن يلزموا غرزهم ويقيموا لعلمهم ودرايتهم بأحكام الأحاديث وزنًا، فكثر تصحيحهم للشاذات والمنكرات والبواطيل.
قال الحاكم: وإنما يُعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإن حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولًا، والحجة فيه عندنا الحفظ، والفهم، والمعرفة لا غير. معرفة علوم الحديث (ص: ١١٢)
وقال ابن الجوزي: وقد يكون الإسناد كله ثقات ويكون الحديث موضوعًا أو مقلوبًا، أو قد جرى فيه تدليس وهذا من أصعب الأمور ولا يعرف ذلك إلَّا النقاد. اهـ. الموضوعات (١/ ٩٩).