فَلمَّا دَخَلا قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، وَهُما يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَاسْتَبَّ عَلِيٌّ، وَعَبَّاسٌ، فَقَالَ الرَّهْطُ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُما، وَأرِحْ أحَدَهُما مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدُوا أنْشُدُكُمْ بِالله الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ، هَل تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ؟ قَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ.
فَأقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَبَّاسٍ، وَعَلِيٍّ فَقَالَ: أنْشُدُكُمَا بِالله، هَل تَعْلَمَانِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأمْرِ، إِنَّ الله سُبْحَانَهُ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أحَدًا غَيْرَهُ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} الحشر: ٦]، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَالله مَا احْتَازَهَا دُونكُمْ، وَلا اسْتَأثَرَهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أعْطَاكُمُوهَا وَقَسَمَهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا المَالُ مِنْهَا.
فَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهمْ مِنْ هَذَا المَالِ، ثُمَّ يَأخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ الله، فَعَمِلَ ذَلِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَيَاتَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم،