أخي القارئ، تلك هي - بإجمال - العلامات الدالّة على الساحر، والأعراض التي يستشف من خلالها المعالج احتمال وجود سحر على المريض، فيعمد عندها إلى استخراجه وإبطاله، - إن أمكن معرفة موضعه - أو الاحتجام، أو بالتداوي بعجوة المدينة، ويكون ذلك مترافقًا مع الرَّقْي المشروع، فإن عولج المريض بمثل ما سبق، ولم يكتب له شفاء به، عدنا إلى الاستطباب العضوي، أو النفسي، [ولا بد من الإشارة في هذا المقام إلى أن كثيرًا من الناس يعتقد أن الأدوية في العلاج لدى الطبيب النفسي ما هي إلا جرعات مسكّنة منوِّمة تسلك بالمريض سبيل الإدمان، وهذا اعتقاد خاطئ عند تعميمه، حيث إن الأدوية النفسية لا تؤدي إلى ذلك، باستثناء مجموعة صغيرة منها كبعض أدوية القلق، إذا ما استخدمت لفترات طويلة وبدون إشراف طبي مباشر من طبيب حاذق أمين. وكذلك فإن اعتقاد البعض أن الطب النفسي ليس إلا جلسات كلامية، لذا فلا حاجة - باعتقادهم - إلى العلاج النفسي، وهذا بدوره اعتقاد خاطئ، فإن العلاج النفسي غير الدوائي ليس مجرد حوار يجريه الطبيب مع مريضه، إنما هو حوار مقنّن يتبع منهجًا علميًا وبرنامجًا خاصًا، يقوم المختص فيه بما يسمونه (علاجًا مساندًا) يُطمئن فيه المريض ويُوجِّهه، ومن ثم يشرع بعلاجه سلوكيًا، فيجتهد في تعديل بعض السلوكيات المَرَضِيّة مع استبدالها بأخرى مناسبة، ثم يعمد إلى العلاج المعرفي فيصحح فيه بعض أساليب التفكير الخاطئة لدى المريض مع استبدالها بأساليب صحيحة، وهكذا بتدرجٍ إلى أن يعمد الطبيب إلى الدواء، أو - في حالات متقدمة - إلى علاجات جراحية محدّدة. وبالإجمال فإن التداوي النفسي ليس وصمة عار تلحق بالمريض، بل هو نمط علمي للعلاج قد يُخلِّص المريض من أعراض عضوية يرتبط ظهورها ارتباطًا وثيقًا بمرض نفسي (١) ، فضلاً عن
(١) إن بعض الأمراض النفسية قد تظهر بصورة مرض عضوي، كالاكتئاب عند بعض كبار السن، فإنه قد يؤدي إلى شعور بالغثيان، بل وألم في المفاصل.