للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دبّرتها (١) . فأمرت بها فقُتِلت (٢) .

أما الأثر الثالث: فهو ما روي عن جُنْدَب البَجَلي أنه قتل ساحرًا كان عند الوليد بن عقبة، ثم قال: [الأنبيَاء: ٣] {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} (٣) .

قال ابن كثير رحمه الله (٤) : (وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه، فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيردّ إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله! يحيي الموتى! ورآه رجل من صالحي المهاجرين (٥) ، فلما كان الغدُ جاء مشتملاً على سيفه، وذهب الساحر يلعب لعبَه ذلك، فاخترط الرجل سيفَه فضرب عُنُق الساحر، وقال: إن كان صادقًا فليُحْيِ نفسه، ثم تلا قوله تعالى: [الأنبيَاء: ٣] {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} ، فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك، فسجنه ثم أطلقه، والله أعلم. اهـ.

تلك هي الآثار الثلاثة التي احتج بها القائلون بقتل الساحر مطلقًا، ويعتضد ذلك بحديث: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» (٦) ، والآثار المذكورة والحديث فيهما دلالة قوية على أنه يقتل ولو لم يبلغ به سحره الكفر، لأن


(١) «دبّرتها» ، أي أن حفصة رضي الله عنها كانت قد علَّقت عتقَ هذه الجارية على موت حفصة، فاستعجلت الساحرة موت حفصة بسحرها، فأمرت حفصةُ بها فقُتِلت.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٠/١٣٥/٩٠٢٩٠) ، وعبد الرزاق في «مصنفه» (١٠/١٨٠-١٨١/١٨٧٤٧) ، والبيهقي (٨/١٣٦) ، بإسناد صحيح. وأخرجه مالك في «الموطأ» (٤٣/١٩) ، كتاب العقول، باب: ما جاء في الغيلة والسحر.
(٣) أخرجه الدارقطني في «سننه» (٣/١١٤) ، ومن طريقه البيهقيُّ (٨/١٣٦) ، وابن عساكر في «تاريخه» (١١/٣٠٩) بإسناد صحيح.
(٤) انظر: تفسيره ص ١٢٩، ط - بيت الأفكار.
(٥) هو جندب بن عبد الله بن سفيان البَجَلي، العَلَقي، له ثلاثة وأربعون حديثًا، اتفقا على سبعة وانفرد مسلم بخمسة، روى عنه الحسن وابن سيرين وأبو مِجْلَزْ، مات بعد الستين. انظر: ترجمته في «أُسْد الغابة» برقم (٨٠٤) ، «والإصابة» برقم (١١٦) ، و «الاستيعاب» برقم (٣٤٤) . ولعلّ الصحيح أن قاتل الساحر هو جندب الخير، وهو ابن كعب الأزدي، التابعي، لا جندب البَجَلي العلقي الصحابي، والله أعلم.
(٦) سبق تخريجه قريبًا بالهامش ذي رقم (٢) من ص٢٢٠. وأنه حديث ضعيف.

<<  <   >  >>