للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم - أَوْ: أَمَرَ - أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ» (١) ، ومن النهي قوله صلى الله عليه وسلم في الثناء على خواص أولياء الله تعالى، المتوكلين حق التوكل عليه سبحانه، بكونهم «لاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» (٢) . والأحاديث في القسمين كثيرة، ووجه الجمع في ذلك أن الرقى يُكره منها ما كان بغير اللسان العربي، وبغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزّلة، وأن يعتقد أن الرقية نافعة لا محالة فيتكل عليها] (٣) ، [فالمراد إذًا بترك الرقى والكيّ هو ضرورة الاعتماد على الله تعالى في دفع الداء، مع تمام الرضا بقَدَره سبحانه، لا القدح في جواز ذلك - أي الاسترقاء - لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة وعن السلف الصالح، لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب] (٤) . فتبين من ذلك أن الاسترقاء مشروع، ولا منافاة بينه وبين التوكل، لكن بالشروط المعتبرة في جواز الرقية، إلا أن بعضًا من عباد الله الصالحين (٥) قد تم استسلامهم لقضاء الله وقدره، فهم لا يلتفتون إلى سبب قد يجلب نفعًا أو يدفع ضرًا، لاعتقادهم يقينًا بأن تمام التوكل على الله يلزمه عدم التعلق بالأسباب الظاهرة، والله سبحانه أعلم.


(١) متفق عليه؛ من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري ومسلم؛ بالتخريج السابق، البخاري برقم (٥٧٣٨) ، ومسلم برقم (٢١٩٥) .
(٢) جزء من حديث أخرجه البخاري؛ كتاب: الطب، باب: من لم يَرْقِ، برقم (٥٧٥٢) ، عن ابن عباس رضي الله عنهما. ومسلم؛ كتاب: الإيمان، باب: الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، برقم (٢١٨) ، عن عمران بن حُصَيْن رضي الله عنهما.
(٣) انظر: النهاية لابن الأثير، (٢/٢٣١) .
(٤) وجه الجمع هذا، نقله الإمام ابن حجر رحمه الله عن الإمام الخطابي ومن تبعه. انظر: الفتح (١٠/٢٢٤) .
(٥) وعِدَّتهم «سبعون ألفًا - أو سبع مائة ألف - يدخلون الجنة بغير حساب، متماسكون، آخذ بعضهم بعضًا، لا يدخل أوَّلُهم حتى يدخلَ آخرُهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر» . وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل عُكَّاشةَ بنِ مِحْصَنٍ الأَسَدِيِّ رضي الله عنه بقوله: [اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ] » . انظر: البخاري، برقم (٣٢٤٧) ، ومسلم؛ برقم (٢١٩) .

<<  <   >  >>