للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الثانية: ما حكم ما يُعطاه الراقي، أجرةً على الرقية المشروعة؟

الجواب: لقد أقر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أخذَ بعضٍ من صحابته - عليهم رضوان الله - أجرةً على رقية رقى بها أحدهم (١) سيدَ قومٍ في حيٍّ من أحياء العرب بفاتحة الكتاب، كانوا قد نزلوا عند واحة ماءٍ، وقد صالحهم الصحابة على قطيعٍ (٢) ، فقال عليه الصلاة والسلام: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ قَدْ أَصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم» (٣) . [وهذا تصريح منه صلى الله عليه وسلم بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذِّكر، وأنها حلال لا كراهة فيها، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ» إنما قاله صلى الله عليه وسلم تطييبًا لقلوبهم، ومبالغةً في تعريفهم أنه حلال لا شبهة فيه] (٤) . وعليه، فقد اتفق الفقهاء على جواز أخذ الراقي الأجرة على الرقية وتمام تملّكه لهذه الأجرة، لكنِ الأَوْلى عندهم ترك طلبها، بل وتركها بالكلِّية احتسابًا للأجر عند الله،


(١) قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم (١٤/٤٠٨) : (هذا الراقي هو أبو سعيد الخُدْرِي الراوي رضي الله عنه. كذا جاء مبينًا في رواية أخرى في غير مسلم) . اهـ. فانظر رحمك الله إلى مزيد فضل أبي سعيد رضي الله عنه وجمّ أدبه، حيث [صرّح عن نفسه تارة وكنّى أخرى] ، كما أفاده الإمام ابن حجر رحمه الله في الفتح (٤/٥٣٣) . هذا، والتصريح هو عند أبي داود؛ كتاب الطب، باب: في الرقى، برقم (٣٩٠٠) ، والترمذي، في الطب، باب: ما جاء في أخذ الأجرة على التعويذ، برقم (٢٠٦٣) ، وابن ماجَهْ؛ كتاب: التجارات، باب: أجر الراقي، برقم (٢١٥٦) . وهو عند أحمد أيضًا، في مسند المكثرين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، برقم (١١٠٨٦) .
(٢) قال النووي رحمه الله: والمراد بالقطيع المذكور في هذا الحديث ثلاثون شاة. كذا جاء مبينًا - أي: في غير مسلم -. اهـ. انظر: مسلم بشرح النووي (١٤/٤٠٩) .
(٣) متفق عليه، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أخرجه البخاري؛ كتاب: الإجارة، باب: ما يعطَى على الرقية ... ، برقم (٢٢٧٦) ، ومسلم؛ كتاب: السلام، باب: جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، برقم (٢٢٠١) .
(٤) انظر: مسلم بشرح النووي (١٤/٤١٠) .

<<  <   >  >>