للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استحقاق منهم لذلك. فإن الله جل ثناؤه قد حرّم التفريق بين المرء وحليلته بغير سحر، فكيف بذلك على وجه السحر؟ ثم إن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء ويقضي على الخلق بها. فإن تقرر ما سبق، فما معنى إذن الله بضر المسحور؟

قد ذكر أهل التأويل في ذلك وجوهًا محصّلها (١) أن الإذن، قد يكون بمعنى: إرادة الله تعالى الكونية والقدرية، وقضاؤه بذلك. وهذا يكون بتخلية الله تعالى بين المأذون له (الساحر) والمخلّى (المسحور) بما سبق في علم الله سبحانه ومشيئته وخلقه.

فيكون المعنى - على ذلك -: أن السحرة لا يضرون بسحرهم إلا من سبق في قضاء الله أن السحر يضره، ومَنْ سبق بعلمه تعالى وقوع ذلك له، فيخلّي سبحانه - عند وقوع السحر - بين ضرر سحر الساحر، وبين المسحور فيخلق سبحانه أثر السحر فيتأثر المسحور عندها فيضره السحر، وذلك بما سبق بمشيئة الله تعالى. وبذلك تحق الفتنة على المفتونين من السحرة إن هم أصروا على تعلم السحر والعمل به، ويختبر الله من سبق كذلك علمه سبحانه أن السحر يضره، فيبتليه بالصبر على ما أصابه ولم يكن ليخطئه، كذلك يبتلي الله الناس عامة - بوصول ضرر السحر إلى المسحور -: هل ترتاب قلوبهم في صدق الأنبياء ومعجزاتهم، فيعتقد بعضهم أنهم سحرة - والعياذ بالله - فيكفر بذلك الاعتقاد، ثم يزداد كفرًا بتعلّمه السحر والعمل به؟ أم يثبت الناس على جادة الحق فيميز أحدهم بين النبيِّ والساحر، والمعجزة والسحر، فيكون


(١) انظر: تفسير فتح القدير للإمام الشوكاني (١/١٢١) ، وتفسير الطبري (١/٤٨٩) .

<<  <   >  >>