للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ريب - على أن للسحر أثرًا في المسحور، ولا يقتصر أثره على سحر الأعين عند إيقاع الساحر لعمله، فيرى الناظر غير ما هو واقع، وإنما ذلك نوع من السحر، لا جميعه. وكما لا يخفى فإن نفس الساحر الخبيثة، أشد تأثيرًا من نفس العائن والحاسد، حيث إن العائن قد يعين صاحبه من غير قصد إيقاع ضرر به، والحاسد يوقع شرًا بمن حسده دون أن يعاينه فضلاً عن أن يماسّه، فلا شأن للمماسة في إحداث الأثر إذًا، لكن غاية ما هنالك أن حصول الضر في جميع ذلك لا يكون إلا بإذن الله، وقد قال سبحانه: [البَقَرَة: ١٠٢] {وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} ، وقال تعالى: [الفَلَق: ١-٥] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ *وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ *وَمِنْ شَرِّ النَفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ *وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ *} .

وقال عزّ وجلّ: [القَلَم: ٥١-٥٢] {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ *وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ *} .

[والتحقيق الذي عليه جماهير العلماء من المسلمين: أن السحر منه ما هو أمر له حقيقة لا أنه مطلق تخييل لا حقيقة له، ومما يدل على أن منه ما له حقيقة قوله تعالى: [البَقَرَة: ١٠٢] {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} فهذه الآية تدل على أن السحر شيء موجود له حقيقة تكون سببًا للتفريق بين الرجل وامرأته. وقد عبّر الله عنه بـ (ما) الموصولة وهي تدل على أنه شيء له وجود حقيقي. ومما يدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: [الفَلَق: ٤] {وَمِنْ شَرِّ النَفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ *} ، يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن في عُقَدهن. فلولا أن للسحر حقيقة لم يأمر الله بالاستعاذة منه.

أما قوله تعالى: [طه: ٦٦] {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} ، وقوله سبحانه: [الأعرَاف: ١١٦] {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} ، فالآيتان تدلان على أن من السحر ما لا حقيقة له في نفس الأمر، وإنما هو تخييل لأعين الناظرين وحسب، وبذلك يتضح عدم التعارض بين الآيات الدّالة على أن له حقيقة،

<<  <   >  >>