الوجه الرابع في الرد على منكري الحديث: استبعد هؤلاء أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد سُحِر، وقالوا: إن في الاعتقاد بحصول ذلك تصديقًا لمقولة الكفار وزعمهم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل مسحور، كما حكاه الله عنهم:[الفُرقان: ٨]{وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا} . كذلك قد زعم المنكرون أن تأثير السحر على النبيِّين عليهم السلام يحطّ من مقام نبوتهم، ويقدح بصحتها، وهو يُعدِم الثقة - بزعمهم - بما أتى به هؤلاء الأنبياء عليهم السلام من عقائد وشرائع.
والردّ على هذين الزعمين يتطلب بسطًا لا يتسع له المقام لكن سأبين ما بوسعي بيانه، فأقول مستعينًا بالله تعالى: ما القصد بوصف الكفار للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بأنه رجل مسحور؟ إن الكفار يعيبون بذلك على المؤمنين اتباعهم وتصديقهم لرجل مسحور قد أثر السحر في اتزان عقله، بل قد أذهبه عنه بالكلية، وهو مثل قوله تعالى:[الحِجر: ٦]{وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ *} ، وقوله تعالى:[القَلَم: ٥١]{وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} . ذلك أن السحر قد يصل أثره أن يبلغ بالمسحور حدَّ الجنون، فإن تقرر أن ذلك هو قصدهم حين وصفوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالرجل المسحور، فإن وقوع أثر السحر على هيئة مرض جسدي حال بينه صلى الله عليه وسلم وبين إتيانه نساءه، لا يتطابق؛ بل لا يتوافق مع زعم الكفار بأن السحر قد أخذ بعقله، أو سلبه القدرة على التفكير، فلا يكون - على ذلك - في إثبات الحديث تصديق لمقولتهم ألبتة، [وإن قَدَّر بعد ذلك ضعيف العقيدة - مُصِرًّا - أن الحديث فيه تصادم لظاهر نص القرآن، في قولهم هذا، فنجيبه بأن قول الكفار ذلك وادعاؤهم به كان قبل قصة سحر اليهودي للنبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي مرض بسببه، وبذلك تعلم أنه لا منافاة بين الآية المذكورة