وقد زارَ الإسكندريّة المَلِك الظَّاهِر بيبرس أربع مَرَّات، وكانت الزيارَة الأولِى عام (٦٦١) وتَقَدّمَه وَزِيره بهاء الدِّين ليمَهِّد له الطَّريق، فتحرك مَوْكب السُّلْطان إلى الإسكندريّة، فأَخْرج أهل الإسْكندريّة ما عندهم من العُدَد الخَاصَّة بالجهاد، مِنَ القِسِيّ والعَمَارِيّات والزَّرْد، والخوذ والطَّوَارق، والجوبان، والكزغندات، وزَيَّنُوا بها الشَّوَارع والأسْوَاق، وزَارَ فى أثناء وجُودِه فى الإِسكندريَّة الشَّيخَين القَباري محمد بن مَنْصُور، والشّاطِبِي محمد بن سُلَيمان، وهَذَا يَدُلّ على إجلاله للعُلَماء والعِلْم واحترامه لهم. وزار مَرَّة ثَانِية فى صَفَر سنة (٦٦٤) عندما بَلَغَه شَكْوَي أهل الإسْكَنْدرِيّةِ من عَدَمِ وصولِ الماء إليها فى سائر شهور السَّنَة بسبب ما تكَدَّس من الرِّمَال فى المجرى المُمْتَدّ من النَّقيدى إلى فم الخَلِيج فَسَيَّر لحَفْره الأمير عَلَمُ الدِّين سَنْجَر المَسْرُورِيّ، وهكذا زَارَ الإِسكَنْدرِيَّة مَرَّة ثَالِثَة ورابِعة، وذلك لشِدّة اهتمامه بها، بِحيث أصْبَح هَذَا الثَّغْر أعظم ثُغُور مِصر كما كان موضعًا للِنُّزْهَة والفرجة، فَتَطَوَّرت الإِسكندريَّة عِمرانيًّا وحَرْبيًّا، يَقُول الدكتور جَمَال الدِّين الشَّيَّال: ظَلَّت الإِسكندريّةُ نتيجةَ عناية مُلُوك بنى أيُّوب الدَّائبة بها تَنْمُو وتَزْدَهِر عمرانيًّا وتجاريًّا وحَرْبيًّا ما عدا سنوات المَجَاعة والوباء القَلِيلة أيَّام العَادِل، وسَرْعَان ما استعادت المدينة نَشَاطَها العِلْمِيّ والعِمْرانيّ بعد ذلك بقليل، فقد زارها الواعظ والمؤرخ الكبير سبط ابن الجَوزِيّ فى سنة (٦٤١) فى عهد الصَّالح نَجم الدِّين أيُّوب وَوَصَفَها بقوله: قدمتُ الإسكندريَّة فَوجَدتُها كما قال تَعالى: (ذَاتِ قَرَارٍ ومَعِين) مَغْمُورة بالعُلَمَاء، مَعْمُورَة بالأولياء، كالشيخ محمد القباريّ والشَّاطِبِيّ وابن أبى شَامَة، ووجدتُها كما قال القَيْسرانيّ في وصف دمشق: