لا شَكَّ أنَّ مَنْصُور بن سَلِيم كان من أهل السُّنَّة، لَيْس فيه أيّ مَيْلٍ أو انحراف عنها، ولذلك لم يتناوله أحد بأيّ مُؤاخَذة فى معتقده، بل كُلُّهُم وَصَفُوه بأوصَافٍ حَمِيدَة، مثل قولهم: الحافظ المُحدِّث، الفَقِيه، جَميل السِّيرَة، حَسَن الطَّريقة، حَسَن الأخلاق، كما أنّهم وَصَفُوه بالثِّقَة والدِّيَانة، ولين الجَانِب، وقد مَدَحَه مُعَاصِرُوه أيضًا، مثل أبى حَامِد ابن الصَّابُونِيّ والدِّمْيَاطِيّ وابن جَمَاعَة وغيرهم، والمَعْرُوف أنّ المُعاصرين يتتبعون المَثَالِب والمَسَاوِئ، ولذلك لا يقبل كلام المُعَاصِرِين بعضهم فى بعض وثَنَاءُ العُلَمَاء عليه -وفيهم مُعَاصِروه- يدلّ على سَلَامة مُعْتَقَده، أمَّا مذهبه الفقهى، فيؤخذ من كَلامِه أنّه كَانَ شَافِعِيّ المذهب، ومن المسلّمات البديهيّة أنّ المَذَاهب الفقهِيّة مَا هِىَ إلّا مَدَارِس عِلْمِيّة، هَدَفها فهم الإسلام وتوضيح مَقَاصِدِه فى إطار أصولٍ وقَوَاعِد استخرجوها، وقَعَّدُوها من الكتاب والسنّة، والانتماء إلى مدرسة فِقْهيّة مُعَيّنة لا يعنى عدم الاستفادة من مَدَارِس أُخْرَى، ومن هذا المنطلق نَرَى أنّ مَنْصُور بن سَلِيم كَانَ شَافِعيّ المَذْهَب، إلّا أنّ انتماءَه للشافعيّة لم يَمْنَعْه من أن يأخذ العلم ويتلقى الحديث من مَشَايخ ينتمون إلى مذاهب فقهيّة أخرى، ومعرفة شُيُوخه البالغ عددهم مائتين وستين شَيْخًا في هذا الكتاب من مجموع ألف شيخ، تدل دلالة واضحة على أنّ المؤلِّف مع كونه شَافِعِيًّا لم يمتنع عن الاستفادة من المَشَايخ الأحناف والمالكيّة والحَنَابلة، وقد تَرْجَم المؤلِّفِ لنفسه فى هَذَا الكتاب فى باب سَلِيم برقم (٤٦٤) وصَرّح فيه بكونه شَافِعِيًّا، وقد أجمع المؤرِّخُون الّذين ترجموا له أنّه كان شافِعِيًّا، ولذلك