وكانت بداية الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقول الله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق: ١]"هو حادث ضخم بحقيقته، وضخم بدلالاته، وضخم بآثاره في حياة البشرية، وهذه اللحظة التي تم فيها هذا الحادث تعد -بغير مبالغة- هي أعظم لحظة مرت بهذه الأرض في تاريخها الطويل"١، ولهذا فليس من المبالغة القول بأن العلم هو شعار الإسلام الأول.
ولقد رفع الإسلام -من اللحظة الأولى- شعار العلم لتحقيق الفطرة، فالعلم فطرة الله في الإنسان، وهذا واضح في قول الحق -تبارك وتعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[الأعراف: ١٧٢] .
فهذه الآية ترشدنا في وضوح إلى مجموعة من الأمور أهمها ما يلي:
أولا: أن العلم بالألوهية والوحدانية -وهو غاية كل علم- فطرة الله في الإنسان، وأن الانحراف عن هذا العلم هو انحراف عن فطرة الله التي فطر الناس عليها. ولهذا يجب مقاومته بجميع الوسائل لرد الإنسان إلى الفطرة.
ثانيا: يترتب على أولا، أن الأخذ بأسباب العلم فريضة لازمة لتأكيد الفطرة والحفاظ عليها وعدم الانحراف عنها؛ لأن الانحراف عنها يتبعه الانحراف عن الإيمان بوحدانية الله، وما يترتب عليه من انحراف الإنسان عن وظيفته، ألا وهي عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله.
ثالثا: وبما أن العلم فطرة الله في الإنسان، وهو سبيل الإنسان إلى معرفة الله وخشيته {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: ٢٨] وهو وسيلته إلى عمارة الأرض وترقيتها، فإنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالاستمرار في عملية التعليم والتعلم من الصغر إلى الكبر.
إن حاجات الحياة متغيرة متجددة بتغير الحياة نفسها، وهذا يتطلب -بطبيعة الحال- استمرار الإنسان في التعلم لينفض عن نفسه، وعن مشاعره، ما يكون قد علق بها من صدأ أو بلادة، نتيجة الانغماس في الحياة تحت وطأة قبضة الطين ومطالبها.
رابعا: إن عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها، عملية مستمرة دائمة، وهي بالتالي تتطلب معلومات متجددة، وهذا كله يتطلب التربية والتعليم والتدريب للكبار بصفة دائمة ومستمرة، إن الإنسان الذي يقوم بحق الخلافة في الأرض، هو
١ سيد قطب: في ظلال القرآن: مرجع سابق، مجلد ٦، ج٣٠، ص٣٩٣٦.