للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي يأخذ بكل الأسباب التي تساعده في أداء هذه الغاية بطريقة حسنة، فالمسلم مطالب بحسن الأداء، لا بمجرد الأداء، وهذا يتطلب أن يكون الإنسان متجددا ومترقيا وملما بكل ما يجد في ميدان عمله من معارف وخبرات ومهارات، إذن فترقية الحياة وفق منهج الله تتطلب التربية المستمرة، بل وحسن التربية.

المناهج ومصادر العلم:

تختلف مصادر منهج التربية في الإسلام عن مصادر المناهج الأخرى، فمنهج التربية يستمد أصوله وموجهاته من منهج الله الكلي للكون والإنسان والحياة، والمتمثل في شريعة الله، أما معظم المناهج الأخرى فتستمد أصولها من الفلسفات والنظريات التابعة لها.

فالشريعة الإسلامية كفت القائمين على بناء منهج التربية في الإسلام شر اللجوء إلى الفلسفات والنظريات البشرية. فالفلسفات يلجأ إليها غير المسلمين لعدم وجود شريعة عاملة لديهم، وفي ذلك يقول ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله": "إن أهل الفلسفة قد قسموا العلوم إلى علم أعلى، وعلم أوسط، وعلم أسفل. وجعلوا الفلسفة هي العلم الأعلى؛ لأن هذا العلم عندهم يرتبط بأمور قد أغنت عن الكلام فيها كتب الله الناطقة بالحق، المنزلة بالصدق، وما صح عن الأنبياء صلوات الله عليهم"١.

إننا لا يجب أن نحيد عن القرآن والسنة, كأصول وموجهات لمنهج التربية، فما ضياعنا إلا نتيجة مباشرة لهذا الحياد عن أصول منهج الله، ولقد كان المسلمون الأول يدركون هذه الحقيقة حتى إن عمر رضي الله عنه كما يقول ابن القيم: "كان يمنع الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم، وزبد أفكارهم، وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث؟ "٢.

هذه هي طبيعة هذه المنهج، يجب أن نعرفها، وألا نحاول تغييرها لرغبات معجلة مهزومة أمام أزياء الفلسفات والنظريات البشرية، فهو بهذه الطبيعة صنع الأمة المسلمة أول مرة، وبها يصنع الأمة المسلمة في كل مرة يراد فيها أن يعاد إخراج الأمة المسلمة للوجود كما أخرجها الله أول مرة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣] .

وتختلف مصادر العلم في منهج التربية باختلاف نوع المعلوم. فالكون محسوس وغير محسوس، شهود وغيب، فالغيب مصدر العلم به هو الوحي الصادق من صاحب الغيب -سبحانه وتعالى، وتحقيق هذا العلم يكون بتحقيق نسبة الخير إلى الله عز وجل، والمحسوس سبيل العلم به الملاحظة، والتجربة، والخير أيضا، ويكون تحقيق الخير بالاستقراء والاستنباط والملاحظة والتجربة٣.


١ ابن عبد البر النمري القرطبي: جامع بيان العلم وفضله، جـ٢، ص٣٧-٣٨٧.
٢ ابن القيم: إعلام الموقعين عن رب العالمين، مرجع سابق، ص٣٧٦.
٣ محمد رشاد خليل، مرجع سابق، ص٣٨-٣٩.

<<  <   >  >>