إلى النقيض- في ضوء معتقداتها المتغيرة، وفلسفاتها البشرية. ونظرياتها التي تتبناها لتوجيه حياتها.
أما الإسلام -قرآنا وسنة- فهو منهج الله لحكم الحياة كلها، في كل زمان، وفي كل مكان. ومن ثم فهو ليس صناعة إنسانية، وإنما هو وحي ثابت من الله. وهو لأنه صناعة ربانية، وليس صناعة إنسانية، فهو ليس آثارا متحفية أو تاريخية، يمكن أن نتعامل معه أو نقننه كوثائق متحفية يستشهد بها في المناسبات والمواسم، كما يريد المستشرقون. فالمستشرقون ومن هم على شاكلتهم يريدون أن يصبغوا الإسلام بهذه الصبغة، لتتم زخرفة الحياة رويدا رويدا بعيدة عنه.. وبذلك يمكن تحنيطه بعد ذلك، وتحويله إلى تراث متحفي!
والمهم هنا أن نفهم أن التراث عموما -بما في ذلك التراث الإسلامي- هو عملية ثقافية وحضارية نامية ومتطورة بصورة نسبية من مجتمع لآخر. فكل مجتمع يطور تراثه الثقافي والحضاري وينميه كما وكيفا وفقا لتصوراته الثابتة والمتغيرة.
أما الإسلام -قرآنا وسنة- فهو منهج إلهي، اكتمل بناؤه في ثلاث وعشرين سنة، ابتداء من إشراقه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء، إلى وفاته عليه الصلاة والسلام، فالنقطة المركزية هنا هي أن الإسلام ليس ناميا ولا متطورا في ذاته، وإنما المسلمون، بل والبشرية كلها هي التي تنمو ويرقى فهمها للإسلام على مر العصور.
مما سبق يتضح لنا أننا يجب أن نصمم مناهجنا ونربي أجيالنا على أساس أن الإسلام -قرآنا وسنة- هو "أصول" إلهية، تشتمل على منهج إلهي لحكم الحياة، كل الحياة. وعليه فنحن ملزمون بهذه "الأصول" الإلهية إلزاما مطلقا في كل شيء، وفي كل زمان، وفي كل مكان.
وأما التراث الإسلامي بكل ما يحتويه من آداب وفنون وعلوم، وفقه، واجتهادات في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية، والتاريخ والجغرافيا والفلك.. إلخ، وكل الجوانب النظرية والممارسات العملية المتراكمة على مر العصور، هذه كلها يجب على مناهجنا أن تدرسها دراسة تحليلية تفسيرية تقويمية في ضوء المعايير والقيم الأصولية الثابتة لمنهج الله.
كما يجب دراسة التراث الإسلامي أيضا في ضوء معطيات العلوم الحديثة. فوظيفة معطيات هذه العلوم هي -بالإضافة إلى ترقية فهمنا لنظام الله ومنهجه ونواميسه الكونية -مساعدتنا على دراسة وفهم تراثنا وتقويمه من أجل تطويره وترقيته.