للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهنا تبرز نقطة في غاية الأهمية والخطورة، وهي أننا يجب أن نفرق بين لي ذراع الأصول الإسلامية -كآيات القرآن مثلا- لتوافق معطيات العلوم الحديثة، وبين الاستفادة من المعطيات المتجددة لهذه العلوم في ترقية فهمنا لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم. فالموقف الأول خطأ في المنهج، وانهزام في المأخذ، لا يصح ولا يتناسب مع جلال كتاب الله وعالميته وشموله. أما الموقف الثاني فهو موقف المجتهدين الذين يتحلون باستعلاء الإيمان اللائق بمنهجهم الرباني، بينما هم يساهمون بإيجابية وفاعلية في عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله.

إذن فالغرض من دراساتنا لتراثنا هو أن نطور هذا التراث ونرقيه. ونستأنس ونسترشد بما فيه من أفكار حية، وقيم باقية، وطرائق وأساليب صالحة. فنحن قد نتفق مع بعض موضوعات هذا التراث، وقد نختلف مع بعضها الآخر؛ لذلك لسنا ملزمين به إلزاما، وذلك على العكس مع "الأصول" كما رأينا.

وليس معنى ما سبق أن نهمل دراسة التراث الإنساني العام. إذ لا بد من دراسة هذا التراث دراسة واعية ناقدة وفقا لمعايير الإسلام وقيمه الإنسانية الشاملة. وبذلك نستطيع أن نأخذ منه ما يتمتع بالمصداقية، ويتسق مع نواميس الله الكونية، وندع منه كل ما يتصل بتفسير السلوك الإنساني القائم على الولاءات المحدودة والانتماءات العنصرية المتصلة باللحم والدم، أو الأرض والطين.

ونحن إذ نقوم بدراسة التراث الإنساني، يجب أن نتمسك بعدة اعتبارات: الأول أن ديننا دين رباني، عالمي، ثابت، شامل، الثاني أن "الوسطية" و"الشهادة على الناس" قد عقدهما الله لهذه الأمة، ما دامت متمسكة بدين الله، وأن تدرك الأمة أن تمكين الله لها في الأرض، ومن ثم قيادتها وريادتها في مسيرة الارتقاء الإنساني مرهون بهذا التمسك بدين الله. الاعتبار الثالث هو أن تدرك الأمة أنها أمام تراث إنساني معاد للإسلام، وساع إلى ابتلاعه، فإذا لم تقم مناهج تربية الأجيال بدراسة هذا التراث دراسة علمية موضوعية على أساس من نواميس الله وسننه الكونية، فسوف تجد الأمة نفسها في حالة دفاع مستمر عن النفس. لا وسطية لها، ولا شهادة على الناس!

والخلاصة: أن مناهج التربية أمامها ثلاثة مستويات للدراسة والفهم:

المستوى الأول: هو مستوى الإسلام، أو "الأصول" الإسلامية غير التراثية، المتمثلة في القرآن والسنة. وهذا هو المستوى الرباني العالمي الثابت الشامل. ووظيفة مناهج التربية هي الاجتهاد في تنمية فهمنا له، وتجديد وترقية هذا الفهم دائما وأبدا.

<<  <   >  >>