الإنسانية الضرورية، تنازل المقهور بقوة قاهره. وهذا -في النهاية- لن يؤدي إلى إقامة حق ولا عدل ولا سلام.
خامسا: إن الغرب يقيم تصوره للكون والإنسان والحياة على أساس السيطرة على الأرض واستغلال ثرواتها، واحتكار طاقات أبنائها، وقد تمت هذه السيطرة أولا عن طريق الاحتلال العسكري. وتتم هذه السيطرة الآن وتعمق تقنيا عن طريق وسائل السيطرة عن بعد كالراديو والتلفاز، والفيديو، والبث التليفزيوني الدولي المباشر عن طريق الأقمار الصناعية. كما تتم السيطرة الثقافية والفكرية عن طريق عرض النظريات العقائدية ذات النظم الاجتماعية الناجحة ماديا واقتصاديا، وعن طريق الاحتلال الثقافي والفكري بالواسطة، عن طريق من سبق تسميتهم في الغرب "بسلسلة القياد" وهم مجموعات الشباب والمثقفين الذين درسوا في الغرب، ثم عادوا إلى بلادهم -وهم ما يزالون يعيشون داخل المنظومة الغربية- ليحتلوا مواقع المسئولية، ويقودوا الحياة الاجتماعية بموجبات غربية!
إننا في هذا الصدد لا بد من أن نفرق بين التفاعل الثقافي والغزو الثقافي. فالتفاعل الثقافي يتم بين طرفين متعادلين، يأخذ كل منهما من الآخر ويعطيه. وهذا التفاعل مرغوب. بل ومطلوب. أما الغزو الثقافي فيتم بين طرفين أحدهما قوى غالب، والآخر ضعيف مغلوب على أمره. وهذا المغلوب -عادة- ما يتحول إلى مبهور، ثم إلى مقهور بقوة قاهره.. فيؤخذ منه كل شيء.. ما يريد، وما لا يريد.
إنه لا عاصم لنا اليوم من هذه الهجمة العاتية إلا العودة إلى الإسلام عقيدة وشريعة وتنظيما حياتيا كاملا. وإذا كان الآخرون متقدمين ماديا واقتصاديا، فهم مفلسون إلى حد كبير في عالم "القيم"، القيم التي يمكن أن تنشأ في ظلها حياة إنسانية كريمة، وتوظف في ظلها نتائج العلم في عمارة الأرض وترقية الحياة الإنسانية، وليس في السيطرة والاحتكار!
إننا في هذه الحالة، وفي هذه الحالة فقط، نستطيع أن نتعامل مع الآخرين ليس من موقف الضعيف المغلوب، بل من موقف القوى العادل. إن الآخرين قد يعطوننا المنتجات الصناعية ولكنهم لن يعطونا المصانع، وقد يعطوننا الأجهزة التكنولوجية، ولكنهم لا يعطوننا أسباب التكنولوجيا؛ لأن هذه ببساطة إحدى أهم وسائلهم في السيطرة. إنني أومن إيمانا راسخا أننا لا نحتاج إلى التكنولوجيا أولا، بل نحتاج أولا إلى أن نحول الإسلام إلى عقيدة راسخة، وحركة إيجابية فاعلة في كل جوانب حياتنا، ساعتها، وساعتها فقط، سوف نملك أسباب التقانة في زمن قصير