جدا. وأمامنا الآن نماذج لبلدان كانت خرابا يبابا من عشرين سنة فقط، وقد تحولت في هذه الفترة القصيرة إلى عملاق اقتصادي وثقافي يهدد كل السابقين عليه!
سادسا: إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها"؛ فقد يكون من الحكمة أن نرسل أبناءنا الآن إلى الغرب -بعد أن نسلحهم بفهم منهج الله للكون والإنسان والحياة- لدراسة العلوم البحتة والتطبيقية. كالرياضيات والعلوم، وكل علوم الصناعة والزراعة والإدارة، وعلوم الحرب وفنون القتال، وكل العلوم الأخرى التي ليس لها صبغة فلسفية، ولا علاقة لها بتفسير السلوك الإنساني.
لكن الأمر المجافي للحكمة تماما، ولا يتسامح فيه الإسلام هو أن يتلقى المسلم أصول عقيدته، أو مقومات تصوره، أو تفسير قرآنه وحديثه وسيرة نبيه، أو منهج تاريخه وتربيته، أو تفسير نشاطه، أو مذهب مجتمعه، أو نظام حكمه، أو منهج سياسته، أو موحيات فنه وأدبه وتعبيره من مصادر غير إسلامية، أو يتلقى في كل هذا من غير مسلم يوثق في دينه وتقواه.
يقول الله -سبحانه- عن الهدف النهائي لليهود والنصارى في شأن المسلمين بصفة عامة:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[البقرة: ١٢٠] .
مما سبق يمكن تلخيص موقف الأمة في مستقبل علاقاتها مع الآخرين فيما يلي:
١- الأمة الإسلامية -بحكم رسالتها، وبحكم وسطيتها وشهادتها على الناس لا بد من أن تتصل بالغرب وتتعامل معه. وهي إذ تقوم بذلك إما أن تكون بكامل إرادتها وسيادتها، فيكون لها التمكين والنصر والريادة، وإما أن يتم ذلك وهي مفككة، مسلوبة الإرادة فيكون مصيرها الانهيار والذوبان في الآخرين أو فقدان الشخصية الفاعلة على الأقل!
٢- ولكي تتعامل الأمة مع الغرب بكامل إرادتها، لا بد من أن تتوحد إرادة أبنائها من خلال تجسيد المنهج الإسلامي في مجتمعاتها، باعتبار المنهج الإنساني العالمي الأخير لتحرير الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. إن هذا هو طريق العزة الوحيد لهذه الأمة، وقد صور ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله:"لقد أعزكم الله بالإسلام، فإن ابتغيتم العزة في غيره أذلكم الله".