للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ديوي" أن الإدراك وهو أول ثمرة الملاحظة الحسية، ولا يمكن أن يكون محايدا، وإنما هو متأثر -دائما- بالمعرفة السابقة للملاحظ وذكائه. وبدون هذا يكون الإدراك مجرد استثارة حسية يستوي فيها الإنسان والحيوان.

ثم إن الصيغة التجريبية التحليلية إذا كان من الممكن الاعتماد عليها -كما يقول الدكتور أحمد المهدي عبد الحليم- في الحصول على المعارف الخاصة بالماهيات "Know What "S والكيفيات "Know how "S، فإنها تحمل تحديد المسارات والأهداف والغايات، وبذلك تهمل المعتقدات والقيم الإنسانية والقيم الخلقية النابعة منها.

ولقد أدى تبني هذا المنهج في البحث التربوي إلى مساوئ كثيرة من أهمها ما يلي١:

١- تركيز البحث على اكتشاف العلاقة بين متغيرين أو ثلاثة -غالبا- في ظاهرة من الظواهر التربوية، مع أن الظواهر التربوية معقدة، ولا يمكن اختزال المتغيرات فيها إلى عاملين أو ثلاثة.

٢- إن الإجراءات المفتعلة في التحديد المسبق لمتغيرات التصميم التجريبي في العلوم الاجتماعية والتربوية منها على وجه الخصوص، قد أدى إلى تسييد تقنيات البحث وأدواته، وإلى أن تتم مواءمة مشكلات الدراسة لتخدم هذه التقنيات والأدوات، وليس العكس، وهو ما يجب أن يكون. وبذلك أصبحنا نرى بحوثا تجرى لخدمة صنعة البحث وأدواته وتقنياته، أكثر مما تخدم الإنسان أو المجتمع الذي أجري البحث من أجله أصلا. وقد أدى شيوع هذا في مجال البحث التربوي إلى الفصام النكد الموجود حاليا بين البحوث التربوية والممارسات التربوية.

٣- لقد أدى استخدام هذا المنهج إلى التأكيد على المغزى الإحصائي للفروق، بدلا من التركيز على المعنى الاجتماعي والتربوي، ولقد أدى هذا بدوره إلى نماء الاتجاه نحو الاستخدام الإحصائي على حساب التفكير والمناقشة والبرهنة.

٤- لقد أدى هذا الاتجاه في البحث التربوي والاجتماعي عموما إلى عدم الإيمان بقيمة البحث إلا إذا كان إمبريقيا، وإلى تركيز الجهود والطاقات في البحث على دراسة الواقع بطريقة مباشرة، والتحديد الإجرائي للمصطلحات، ودراسة العلاقة بين متغيرين أحدهما مستقل والآخر تابع، وتصميم الاستبانات على هيئة تحقيقات جنائية في معظمها!


١ المرجع السابق.

<<  <   >  >>