إنه بناء على فهم الإنسان لذلك التفسير الشامل للوجود "الفلسفة"، وعلى فهمه لحقيقة مركزه في الوجود الكوني، ولغاية وجوده الإنساني، يحدد منهج حياته، ونوع النظام الذي يحقق هذا المنهج، والفرق بينه وبين المناهج الأخرى.
فالفلسفة في الحقيقة هي تصور للألوهية والكون والإنسان والحياة، وكل فلسفة وجدت منذ سقراط وأفلاطون وأرسطو، ومرورا بالفلسفات الإيمانية، والإسلام أبرز مثال لها، والفلسفات الإلحادية، والماركسية أبرز مثال لها، هي كلها تصورات للألوهية والكون والإنسان والحياة، وكل فلسفة منها تختلف عن الأخرى باختلاف رؤية أصحابها لأصل الكون، وطبيعة الإنسان، وغاية الحياة.
فالفلسفة الإسلامية -مثلا- تستمد تصوراتها من القرآن والسنة. لذلك فهي تؤمن بأن الله واحد أحد، منه صدر كل شيء، وإليه يعود كل شيء، وأنه خلق الكون وجعله غيبا وشهودا، وخلق الإنسان لعبادته، وجعله خليفة في الأرض لإعمارها وترقية الحياة على ظهرها, وفق منهجه تعالى وشريعته, وخلق الحياة دنيا وآخرة، وجعلهما متكاملتين، لا بديلتين ولا نقيضتين.
أما الفلسفات المادية كالماركسية -مثلا- فهي تؤمن بأنه لا إله موجود والحياة مادة، وتؤمن بالكون المشهود، وتنكر الكون المغيب، وترى أن الإنسان مخلوق من مخلوقات الطبيعة وحتمية من حتيمات المادة، وأن الحياة ميلاد وموت، لا شيء قبل ذلك ولا شيء بعد ذلك؛ فهي تنكر الحياة الآخرة!
والفلسفة بهذا المعنى هي منهج ونظام للحياة، فهي توجه حياة الإنسان وحياة المجتمع في سلوكه وعلاقاته وارتباطاته، ونظمه ومؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الثقافية والفنية والأدبية والتربوية، والإعلامية والإعلانية.. إلخ.
فهل بعد كل هذا يستطيع إنسان أو يستطيع مجتمع أن يعيش بلا فلسفة؟ الإجابة بالقطع: لا يستطيع. وهذه مهمة مناهج التربية، فمناهج العلوم الدينية بصفة خاصة، ومناهج العلوم الكونية بصفة عامة لا بد أن تتعاون في رسم التصور الفلسفي للإنسان والمجتمع، فعلوم الدين تزود الإنسان والمجتمع بالتصور العقيدي، والتصور الاجتماعي النابع منه، والعلوم الكونية تزود الفرد والمجتمع بالنظريات والمعلومات والمهارات, التي يقيمون على أساسها النظم والمؤسسات وحدود العلاقات والارتباطات.
إن فلسفة المجتمع هي هويته الخاصة وشخصيته المتميزة، فإذا أغفلت مناهج التربية هذا الهدف فإن المجتمع يصبح قابلا للاستلاب الثقافي والانحراف عن استقامة فطرة الله فيه.