فلو قامت مناهج العلوم الشرعية بدورها الكامل في ترسيخ عقيدة أن الله خلق الإنسان ليكون عبدا لله وسيدا للكون، وأن الكون مسخر لخدمة الإنسان، لو تعامل الإنسان معه وفق توجيهات الله، لما وجدنا ذلك الأديب الذي يتصور الكون كتابا مغلقا لا يستطيع الإنسان أن ينفذ إلى سطر واحد من سطوره، وغيبا مجهولا وظلاما دامسا لا يعرف الإنسان فيه من أين جاء، ولماذا جاء؟ ولا يدري أين يذهب، ولا يستشار في الذهاب!
لبست ثوب العيش لم أستشر ... وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضوه برغمي ولم ... أدرك لماذا جئت أين المقر!
ولو تعاونت نصوص الأدب والقراءة وعلوم النفس والفلسفة والاجتماع في رسم صورة الحياة الإنسانية بنظمها ومؤسساتها التي ينبغي أن يجاهد الإنسان في إعمارها وفق منهج الله، لما وجدنا ذلك الأديب الذي يصور الإنسان مجهول المصدر والمصير مسلوب الوعي والإرادة.
جئت، لا أعلم من أين، ولكني أتيت.. ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت.. وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت.. كيف جئت، كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!!
ولو تعاونت مناهج العلوم الدينية مع مناهج العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية في ترسيخ قيم الإنسان على اعتبار أنه مخلوق لإعمار الأرض وترقية الحياة، وفي إبراز طبيعة الحياة وطبيعة العلاقات والارتباطات فيها بين الإنسان والكون، لاختلفت قيم الحياة في حس الأدباء والفنانين، واختلف اتجاههم الفني والأدبي، فلو علمنا كلا منهم مثلا أنه قطرة في نهر الحياة، ولكنها قطرة تحس بأهداف النهر من المضي والتدفق والإرواء والإحياء؛ لكان للحياة في نظرهم قيم أخرى، ولو رسخنا في شعر كل منهم أنه نفخة من روح الله تلبست جسده، ليكون خليفة الله في الأرض، ينشئ فيها ويبدع، لكان للحياة في نظره قيم أخرى، ولما قال أحدهم:
جايين الدنيا ما نعرف ليه ... ولا رايحين فين، ولا عايزين إيه
مشاوير مرسومة لخطاوينا ... نمشيها في غربة ليالينا
يوم تفرحنا، ويوم تجرحنا ... وإحنا ولا احنا عارفين ليه!!!
من كل ما سبق يتبين لنا أن مفهوم الفلسفة ما زال يحمل طابعا فرديا، وأن مذاهبها ما تزال مجرد إشارات تحمل وجهات نظر أصحابها إلى يومنا هذا١ وأن
١ توفيق الطويل: أسس الفلسفة، ط٥، القاهرة، دار النهضة العربية، ١٩٦٧م، ص٣٨.