المدرسة الواقعية المدرسية، بالإضافة إلى عوامل أخرى- كان كل ذلك هو الخطوة الأولى نحو فصل حقيقة الحياة عن الحقيقة الإلهية. وفصل الدين عن الحياة، وظهور النظام "العلماني" الغربي، هذا النظام الذي يقوم على أساس فصل الدين عن الحياة، وأن لله ملكوت السماء، وللإنسان ملكوت الأرض، وأن ما لقيصر لقيصر وما لله لله!
وعلى ذلك الأساس قامت معظم الدراسات النفسية ودراسات الأصول التربوية في الغرب، وجاءت النظرية الموسوعية غير بعيدة عن هذا التصور لحقيقة الألوهية، فالحقيقة الإلهية هي إحدى مكونات الكون، مع الطبيعة والإنسان، وأصبح من مهام التربية الأساسية في النظرية البراجماتية، تكييف المتعلم مع البيئة، والطبيعة من حوله، لا على أساس أنهما من خلق الله، بل على أساس أن الطبيعة خالقة، ومن مهام التربية أن يفهم المتعلم القوانين التي تحكم العالم المادي من حوله، لا على أساس أن هذه القوانين -نواميس وسننا- خلق الله الكون عليها، وإنما على أساس أن الطبيعة هي صانعة قوانينها، فإدراك الحقائق والقوانين العلمية للطبيعة هو وسيلة للمعرفة الجوهرية الكاملة، وبذلك أغفلت تماما برامج ومناهج التربية الدينية.
ولقد كانت هذه الحلقة قبل الأخيرة، حيث جاءت الحلقة الأخيرة على يد أنصار النظرية التطبيقية الماركسية، التي وضعت النهاية المتوقعة لهذا التطور الأخرق، فآمنت بأنه "لا إله موجود والحياة مادة"! فتطور المادة، وحتمية التاريخ، وحتمية الاقتصاد، كل هذه الحتميات هي التي تصنع كل شيء، وتخلق كل شيء: الكون، والإنسان والحياة. وجاءت النظرية التربوية لتكريس هذا الفكر النظري الذي يتصادم مع طبيعة الفطرة الإنسانية، والحياة الإنسانية، والرقي الإنساني. وجاءت النتيجة في صورة أجيال من أكثر خلق الله بؤسا وضياعا على وجه الأرض.
والخلاصة، أن الهاربين من الكنيسة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كان كل همهم إنكار "الله"! ولكن "المثاليين" منهم اختاروا "العقل" ليعطوه كل خصائص الله وصفاته! و"الماديين" منهم اختاروا "الطبيعة" ليعطوها هذه الخصائص والصفات؛ لأنه لم يكن لهؤلاء وهؤلاء مفر من افتراض شيء فوق طاقة البشرية يكلون إليه تفسير هذا الوجود وما يجري فيه. لكنهم في كل الأحوال كانوا يريدون إنكار الله!
لقد تقلب العالم، وتغير تصوره لهذه الحقيقة -حقيقة الألوهية- أما في التصور الإسلامي فقد بقيت هي الحقيقة الأولى والكبرى، والأساسية والفاعلة؛ لأن الحق