أما الكون المادي في نظر المثاليين فهو ممثل في العقل؛ فالعقل -الممثل بعقل الله- هو سبب وجود الكون، فالكون عملية عقلية عظيمة، فالله أوجد العقل الإنساني الذي أدرك الكون، فكان سببا في وجوده، وبما أن العقل الإنساني هو الذي أدرك الطبيعة أو الكون، فإنه يشارك في طبيعة العقل المطلق -عقل الإله- ويعد جزءا منه، أو صورة مصغرة له! ومهمة التربية أن تتيح الفرصة للعقل كي يدرك الأشياء، فكل شيء لا يكون موجودا إلا إذا أدرك بالعقل -فالأشياء ليس لها وجود في ذاتها- وإنما لا بد أن تدرك بالعقل كي تكون موجودة.
وبناء على هذه النظرة فالتعلم ليس ابتكارا ولا إبداعا، ولكنه تحقيق الفكرة المطلقة بالنسبة للحقيقة والخير والمثل التي وضعت سلفا، وليست قيمة الأفكار مبنية على ما لها من أهمية في حياة المتعلمين أو ضرورة في إنجاز مشروعاتهم، أو في ترقية حياتهم، بل إن قيمة الأفكار في ذاتها، حيث إنها تصور الواقع الممثل للحقائق اللانهائية، ومن أجل ذلك فالأفكار جديرة بالتعلم، وهي تستحق أن يكون تعلمها هدفا في حد ذاته.
ولقد أثر هذا اللون من الفكر على كل المدارس التي كونت الروافد الأساسية للنظريات التربوية التقليدية في الغرب، فأوجدت الازدواجية بين العقل والجسم في الطبيعة الإنسانية، وبما أن خاصية التفكير هي جوهر الطبيعة الإنسانية، فلقد كان الهدف الرئيسي للمنهج متمركز حول تربية العقل وتدريبه على التفكير الصحيح، من خلال الفلسفة والعلوم التي لا تتطلب الملاحظة والممارسة والتجريب والعمل الميداني.
ولقد أدى التفريق بين العقل واعتباره صورة مصغرة للعقل المطلق "الإله" وبين الجسم، وتركيز التربية على العقل، أدى هذا إلى تكوين المجتمعات الطبقية، التي تسود فيها الطبقات الأرستقراطية؛ حيث خرجت المدرسة مجتمعا طبقيا مكونا من: طبقة التربية العقلية والفلسفية, وهي طبقة الحكام؛ وطبقة أخرى تعمل في الصناعة والتجارة؛ حيث يقل التركيز في تربيتها على العقل؛ ثم طبقة الجنود والعمال الذين تعلموا عن طريق العمل اليدوي والعمل الميداني والملاحظة والتجريب. وصنفت المدارس على هذا الأساس الطبقي.
وفي بعض النظريات تم التحرك بعيدا عن العقل قليلا، واعتبر "الكون" كلا كبيرا مشتملا على جزئيات متناسقة، وأهم هذه الجزئيات: الطبيعة، والإنسان، والإله، بل لقد اعتبر الإنسان في أهم مرحلة من مراحل تطوره أحد مكونات الطبيعة.