للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكون المادي:

والكون في التصور الإسلامي قسمان: كون محسوس، وكون غير محسوس. شهادة وغيب، ولقد تناول الإسلام الكون المادي المنظور، وعرض لكثير من ظواهره، كالشمس، والقمر، والسماء، والأرض، والمطر، والنبات، والبحار، والأنهار، والجبال، والشجر، والدواب.. إلى آخره، وقد تكلم الإسلام عنها في بدء خلقها وتكلم عنها في عوارض وجودها، وتكلم عنها في بعض نهاياتها، وقد عرض لهذه النواهي لا ليعالج أمرها علاجا فنيا تحليليا، فيكون كتاب هيئة، وكتاب حيوان، ولكن عرض لها؛ لأنها دلائل قدرة الله -تبارك وتعالى- وعلائم صنعه الدقيق الحكيم، ولتكون نبراسا يهدي الناس لمعرفة الله١.

وهذا الكون جميل المظاهر، جميل المشاعر، صديق للإنسان، وليس عدوا له كما يقول بعض العلماء الطبيعيين الذي يعدون كل كشف لقانون من قوانين الله في الكون، وكل تسخير لطاقة من طاقات الكون المذخورة فيه "انتصارا" على الطبيعة وقهرا لها! أو هكذا يعبر ورثة الوثنية الإغريقية والرومانية في أوربا وأمريكا!

"ثم إنه كون صديق للحياة والأحياء.. إن الحياة لم تنشأ في الأرض فلته عابرة ليس بها من سند في نظام الكون! وإلا فكيف نشأت في كون معاد، والكون أكبر منها وأقوى.. وبخاصة أنهم يفترضون أن ليس وراء الكون ووراء الحياة إله، ولا إرادة إلهية أنشأت الكون وأنشأت الحياة؛ لأن نشأة الحياة في هذا الكون تكذب هذا الزعم، كما تكذب أن الكون عدو للحياة"٢.

وهذا ما تقرره النصوص الكثيرة والمتنوعة في القرآن الكريم:

{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ، وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: ٢-٤] .

وهكذا نرى أن القرآن الكريم لم يتناول الكون المشهود من الناحية الفنية؛ لأن القرآن كتاب للتوجيه، يصل الإنسان بالله، ولو تعرض لهذه النواحي لما انتهى أمره. ومن ناحية أخرى يدرك القرآن ضرورة ترك الحرية للعقل الإنساني كي ينمو ويتقدم


١ حسن البنا: حديث الثلاثاء، القاهرة، مكتبة القرآن، سجلها وأعدها للنشر أحمد عيسى عاشور، بدون تاريخ، ص٣٤-٤٥.
٢ المرجع السابق، ص٣٤٣.

<<  <   >  >>