للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكون في التصور الإسلامي:

والآن نعود إلى صفاء التصور الإسلامي لحقيقة الكون.

والكون في التصور الإسلامي هو آية الله الكبرى ومعرض قدرته المعجزة المبهرة، أراده الله فكان، وقدره تقديرا محكما، وجعل كل شيء فيه خاضعا لإرادته وتدبيره:

{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: ٢] .

{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: ٨] .

{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠] .

"إن الكون -كما يقرر المنهج القرآني- كون مخلوق حادث، وليس بالقديم الأزلي، كما أنه لم ينشأ من ذات نفسه، لقد خلقه الله -سبحانه- خلقا، وأنشأه إنشاء، بعد أن لم يكن، سواء في ذلك مادة بنائه الأساسية، أو الصورة التي ظهرت فيها، ولم يشارك الله -سبحانه- أحد في خلق هذا الكون، ولا في خلق شيء منه، سواء في ذلك مادته أو صورته. إن الله سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه، وأعطى كل شيء صورته، وأعطى كل شيء وظيفته"١.

القرآن والحقائق العلمية:

وإذا كان القرآن قد أشار إلى بعض الحقائق الكونية، فإن هذا ليس مبررا لأن نلتمس الموافقات بين النصوص القرآنية التي تشير إلى بعض الحقائق الكونية وبين النظريات والكشوف العلمية الحديثة؛ لأن هذا خطأ من الناحية الاعتقادية، ومن الناحية المنهجية العلمية أيضا، أما من الناحية الاعتقادية فالنصوص القرآنية صحيحة وصادقة بذاتها لا بشهادة من خارجها عليها، والمؤمن لا يجوز أن تدركه الهزيمة أمام علم البشر، فيستشهد به على صدقها وصحتها٢.

إن الحقائق القطعية المطلقة لا يملكها إلا الله -سبحانه- بحكم ألوهيته المهيمنة على الكون كله، أما "الحقائق العلمية" فهي -كما يقرر العلماء- مجرد احتمالات راجحة، لا قطعية الدلالة ولا مطلقة الدلالة، وطبيعة المنهج العلمي التجريبي لا تسمح بغير هذا، فالإنسان هو الذي يقوم بالتجربة، ومن ثم فهو لا يعتمد على نتائج إحصائية "بمعنى استقرائية"، وإنما يعتمد على نتائج قياسية، فهو يجري تجاربه على عدد محدود -مهما كثر- من المادة التي هي موضوع التجربة، ثم يقيس ما لم تتناوله تجاربه على ما تناولته هذه التجارب٣.


١ سيد قطب: مقومات التصور الإسلامي، مرجع سابق، ص٣٢٠.
٢ انظر المرجع السابق، ص٣٢٢-٣٢٤.
٣ المرجع السابق، ص٣٢٩.

<<  <   >  >>