محتاجة الى العمل، ولكنها قالت: أنا إنما أعمل لأشعر بانسانيتي! فأجبتها بأن العمل وعدمه لا علاقة له بشعور الانسان بانسانيته، فكثير من الذين يشتغلون لا يشعرون أبداً بانسانيتهم، وكثير من الذين لا يعملون بأيديهم، ولكنهم يعملون بجهودهم الفكرية وغيرها هم أكثر الناس شعوراً بانسانيتهم وتقديراً لها.
وضربت لها مثلاً بالجندي والموظف، فكل منهما ممنوع بحسب القوانين المرعية في أكثر بلاد العالم من التجارة والكسب بأيديهم، وذلك ليتفرغوا لأداء رسالة اجتماعية هي أكثر فائدة للمجتمع من اشتغالهم بأيديهم، فهل يعتبر منعهم من التجارة والعمل امتهانا لانسانيتهم؟ وهل يشعر الموظف من رئيس الجمهورية حتى أصغر موظف في الدولة أنه فاقد لانسانيته حين يكون في غرفته مكباً على أوراق بين يديه يدرسها ويوقع عليها؟
قالت: أنا لا أريد أن أكون عالة على أبي، بل أريد أن آكل من كد يميني وعرق جبيني.
قلت لها: ليس الموظف ولا الجندي اللذان يقبضان رواتبهما من خزينة الدولة أول كل شهر، يشعران بأنهما عالة على الدولة، بل يقبضان رواتبهما بكل كرامة وإعتزاز، لأنهما يؤديان واجباً اجتماعياً نبيلاً، وأنت حين تكونين في بيت أهلك قبل الزواج، تتمرسين على شؤون البيت وأعماله وإدارته بعد الزواج، فأنت في عمل اجتماعي نبيل، أنت في مدرسة تتعلمين فيها الحياة البيتية عملياً من اساتذة مخلصين "وهم أبوك وأمك" ومتى كانت البنت التي تتفرغ للدراسة تخجل من أن تأكل من بيت أبيها؟ ثم اذا تزوجت بعد ذلك تبدأين بالعمل فوراً، وهو عمل يستغرق وقتك كله، فهل أنت حينئذ تكونين عالة على زوجك؟ أم إنك ستقومين بأعمال مرهقة قد تكون أكثر ارهاقاً من عمل زوجك خارج البيت؟ هل ستتركين العمل في البيت لتعملي خارجه؟ أم تقومين بالعملين معاً؟ ان التي أوكلها الله اليك، وفي قيامك بالعملين معاً ارهاق لجسمك لا تتحملينه ولا تقدرين عليه، وهو ظلم منك لنفسك ما بعده ظلم، فالاسلام حين أراد منك أن تتفرغي للأمومة وأعبائها، وألزم زوجك أو وليك بالانفاق عليك إنما صانك عن الابتذال. وكفاك مشقة العمل فوق عملك المرهق فهل انقلبت العناية بك في نظرك الى احتقار وازدراء؟
إن الرغبة المتفشية الآن عندنا في اشتغال المرأة خارج البيت، هو تقليد