وإلا كان ذلك خراباً للمجتمع في نظر أديانه ومبادئه ومثله الخلقية، ورسالته الانسانية.
إن النظر الى كل فرد في المجتمع كآلة منتجة لا تهتم الدولة إلا بزيادة إنتاجها، هو رجوع بالانسان الى الوراء .... إلى عهود الرق والعبودية والسخرة ... وهذا ما لا ترضاه الانسانية الكريمة في انسان مجتمعنا المتدين الراقي بعواطفه وأخلاقه ومثله العليا ...
٤ - على أن هذه النظرة المادية لا تنطبق على واقع حياتنا وحياة المجتمعات الأخرى حتى في الشيوعية نفسها، فهنالك - في كل مجتمع - فئات معطلة عن الانتاج المادي، فالجيوش والموظفون لا يزيدون في ثروة الأمة المادية، وقد رضيت كل الأمم بأن يتفرغ الجيش لحماية البلاد، دون أن تلزمه بالعمل والكسب، فهل يقال أن هذا تعطيل للثروة البشرية يؤدي الى انخفاض الثروة القومية في البلاد؟ أم إن هؤلاء المنادين باشتغال المرأة خارج بيتها يوافقون على حرمان الأمة من جهود أفراد الجيش الاقتصادية في سبيل مصلحة أعلى وأثمن من المنفعة الاقتصادية؟ وإذا كان كذلك فهل يكون التفرغ لشؤون الأسرة أقل فائدة للأمة من تفرغ الجيش لحماية البلاد؟ أم يريدون أن ترهق المرأة بالعملين معاً؟
إن حياة الناس - أي ناس كانوا - ليست كلها تحسب بحساب الربح والخسارة المادية، فالكرم والشهامة والتضحية والوفاء، وبذل العون للآخرين كل ذلك خسران مادي، ولكنه ربح عظيم لا يتخلى عنه الناس الشرفاء الذين يعتزون بكرامتهم الانسانية.
وليست صيانة الأسرة، ورعاية الطفولة، وتربية الأولاد بأقل شأناً في نظر الانسان الراقي المعتز بانسانيته من تلك القيم الاخلاقية التي لا تقاس بالمقياس المادي البحت.
وأخيراً فإن خوض الأمة معارك الدفاع عن حياتها أو انتزاع استقلالها من أيدي المغتصبين، ترحب به كل أمة، بل لا تستطيع أي أمة كانت أن تفعل غيره، فكم تحلق بالأمة من خسائر مادية وبشرية في سبيل الدفاع المشروع؟ وهل يجرؤ أحد على أن يدعو الأمة الى تسريح جيشها، وعدم شراء الأسلحة والذخائر أو صنعهما، وعدم مقاومة المغيرين المعتدين بحجة أن في ذلك كله خسارة مادية، واضراراً بالانتاج القومي والثروة العامة في البلاد؟.