للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سوف تتفشى فيها وتنشر آثارها المخربة. وكذلك سوف يظهر في بلاد الاسلام داء لم تعرفه من قبل، ذلك هو عزوبة النساء التي تنتشر بآثارها المفسدة في البلاد المقصور فيها الزواج على واحدة، وقد ظهر ذلك فيها بنسبة مفزعة، وخاصة عقب فترات الحروب".

ويقول هذا المستشرق المسلم نفسه في كتابه "أشعة خاصة بنور الاسلام":

لا يتمرد الاسلام على الطبيعة التي لا تغلب، وإنما هو يساير قوانينها ويزامل أزماتها، بخلاف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة ومصادمتها في كثير من شؤون الحياة، مثل ذلك الفرض الذي تفرضه على أبنائها الذين يتخذون الرهبنة، فهم لا يتزوجون وإنما يعيشون عزباء.

وعلى أن الاسلام لا يكفيه أن يساير الطبيعة وأن لا يتمرد عليها، وإنما هو يدخل على قوانينها ما يجعلها أكثر قبولاً وأسهل تطبيقاً، في اصلاح ونظام ورضا ميسور مشكور، حتى لقد سمي القرآن لذلك "بالهدي" لأنه المرشد الى أقوم مسالك الحياة، ولأنه الدال على أحسن مقاصد الخير.

والأمثلة العديدة لا تعوزنا، ولكنا نأخذ بأشهرها، وهو التساهل في تعدد الزوجات وهو الموضوع الذي صادف النقد الواسع، والذي جلب للاسلام في نظر أهل الغرب مثالب جمة، ومطاعن كبيرة.

ومما لا شك فيه أن التوحيد في الزوجة هو المثل الأعلى، ولكن ما العمل وهذا الأمر يعارض الطبيعة ويصادم الحقائق. بل هو الحال الذي يستحيل تنفيذه؟ لم يكن للاسلام أمام الأمر الواقع، وهو دين اليسر، إلا أن يستبين أقرب أنواع العلاج، فلا يحكم فيه حكماً قاطعاً. ولا يأمر به أمراً باتاً.

والذي فعله الاسلام أول كل شيء أنه أنقص عدد الزوجيات الشرعيات، وقد كان عند العرب الأقدمين مباحا دون قيد، ثم أشار بعد ذلك بالتوحيد في الزوجة، في قوله تعالى: {وإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة}.

وأي رجل في الوجود يستطيع أن يعدل بين زوجاته المتعددات؟ ولذا كان التعدد بهذا الشرط مستحيل التنفيذ (١). ولكن انظر كيف وضعه الاسلام وضعاً هو غاية في الرقة والدقة واللطف مع الحكمة.


(١) قد بينا خطأ هذا الفهم فيما مضى من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>