للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما من عاقل يفضل التعدد بغير رخصة على التعدد برخصة، فإن أثر الشعور بالاثم والاختلاس على السلوك البشري بعامة أثر خبيث يسمم حلاوته ويعكر صفاءه الذي لا تقوم السعادة الروحية والنفسية بغيره. فضلاً عما في العلاقات المختلسة من أضرار بالمرأة وإفساد لحياتها لا حلية فيه.

ثم إن حياة البداوة والريف غير حياة الحضر. ففي الريف والبادية يعز القوت أحياناً ولا سيما على المرأة. وقد يكون في عدد النساء زيادة عن الرجال. فلا يصان عرض المرأة ولا تستقر معيشتها مادياً ونفسياً إلا اذا صارت في كنف رجل. وعندئذ لا حيلة في التعدد، لأنه الحل السليم الوحيد، أو هم أسلم أساس لجماعة هذه حقيقة ظروفها، والضرورات تبيح المحظورات.

هي رخصة إذن تستخدم بحقها، وعند حصول مسوغاته الطبيعية من أحوال البيئة، أو من أحوال الأفراد.

وما القول في زوجة أقعدها المرض؟ وما القول في الزوجة العقيم؟ وما القول في الزوجة الفاترة؟ وما القول في الزوجة السقيمة الأعصاب؟ أطلاقها أرحم بها أم إردافها بزوجة أخرى؟

لا شك أن الأمر واضح.

هي رخصة إذن تستخدم بحقها. ولكنها ليست الزاماً، فهذه سورة النساء تقول بصريح النص:

{فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة}

بل وتقول أكثر من هذا:

{ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم}

وفي هذا إيحاء، بل حض على التزوج بواحدة.

وليس من الانصاف في شيء أن نقيس هذا الحض بمقياس زماننا وآدابنا. بل بمقياس زمان الدعوة وآدابه، ففي تلك البيئة الصحراوية الجاهلية كان التعدد مطلقاً من كل قيد .. ومن هذا نفهم سر قول القرآن: {مثنى وثلاث ورباع} بلهجة من يعدد للطامع ما هو مباح، بأسلوب يوحي بالتوسيع، وهو يرمي الى التضييق كل التضييق .. ما أشبه هذا - في تصوري - بالأب الذي يقول لطفله الشره الى الحلوى شرها لا يقف عند حد، أو لا يؤذن بقناعة دون العشرة والعشرين:

<<  <   >  >>