ولو نظرنا الى حياة الرسول نفسه لوجدناه لم يشرك في فراشه أحداً مدة حياة خديجة، وقد طال زواجها ربع قرن تقريباً، هو طور الفحولة في حياة الانسان، ما بين الخمسة والعشرين والخمسين .. ولم تتعدد زوجاته الا بعد وفاتها.
وليس هذا موضع الكلام في ظروف زواجه باولئك الزوجات، بل حسبنا الاشارة الى أن خديجة كانت الزوجة المثلى في حياة الرسول، ظل يشهد بذلك ويغار عليها الى ختام أيامه، ويؤكد لعائشة الصغيرة البكر أن الله لم يبدله بخديجة خيراً منها قط؟
زوجة مثلى ملأت فراغ النفس فسكنت اليها. ولما ذهبت تركت فراغاً هائلاً لم تستطع واحدة أن تملأه. وأكاد أحس أن الكثيرات عجزن عن ملء هذا الفراغ الكبير على وجه التمام ..
وأيا كان التعدد بموجبات تلك الرخصة، فهو مشروط على كل حال بالمودة والرحمة، فلا تحل فيه المغايظة والاضرار الاناني اللئيم ...
وبحسبي أن أشير هنا الى ما يذهب اليه المعتزلة من تحريم زواج الرجل بثانية ما دامت الأولى في عصمته لما في ذلك من المضارة للزوجة وهي سيئة لا يستحسنها العقل.
وهذا في اعتقادي من باب السمو الذي يحض القرآن عليه اذ أشار الى الاكتفاء بواحدة خيفة الظلم الذي لا مناص منه في حال التعدد، ولكن الرخصة واضحة، والحكمة منها قاطعة بأن التعدد غير محرم لمن عجز عن الخطة المثلى وهي التوحد.
رخصة مبذولة لمن لا مندوحة لهم عنها، والمرتقى فوق ذلك مفتوح لمن استطاع وهو محمود. وها نحن نرى ظروف الناس تتقدم بهم يوماً بعد يوم نحو سياسة التوحد في الزواج، مع ارتقاء العلم، وانفساح الفرص للزواج عن بينة ودرس وتمحيص.
...
ولا بد في هذا المقام من التعرض لناموس الزواج أصلاً، بعد أن أشاعت المسيحية حوله جوا خاصاً، خلاصته أن العفة وأن الرهبانية هي الأصل، ومن لم يستطع ذلك فليتزوج. فكان الزواج رخصة يرتخصها من لا مندوحة له من ذلك والسلام.