أما من لم يجدها، ففي نفسه أشواق ظمأى، تتلفت صادفة تنشد ريها هنا وهناك.
وهنا وهناك هذه واقع نلمسه كل يوم، وكل ساعة، في رجال محصنين بالزواج، تصبو نفوسهم الى غير زوجاتهم، في علاقات مختلسة، تسف بهم وبشريكاتهم الى درك الحيوان، أو درك الخزي والتأثم المهدد لشعور الكرامة الذي هو خاصة الانسان بالاطلاق ..
فراغ ينشد الامتلاء، فالطبيعة تفزع من الفراغ وتأباه كما يقول الحكيم القديم .. ومن هنا يكون في رخصة التعدد ملاذ يكفي الناس شرين: أولهما شر التورط في الآثام التي قد تشوه النفس مهما أرضت نوازع الاشواق الجسدية وثاني الشرين تطليق الزوجة القديمة لتفسح للزوجة الجديدة مكانا في نظام التوحد وقد تكون للزواج الأول ثمرات تذوق التشرد. وقد تكون الزوجة الأولى مثقلة بالسنين أو العلة أو الأبناء أو عاطلة من الجمال، خالية اليد من مهنة، خالية الوفاض من مال فتقوض حياتها، ولعلها كانت تؤثر البقاء في كنف زوجها على كل حال.
وإني أعرف من تجربتي الشخصية حالات كثيرة من هذا القبيل، سأذكر منها حالة جار لنا في دمنهور منذ عشرين سنة كان متزوجاً من سيدة قضى معها ربع قرن لم تشركها زوجة أخرى، وكان لهما ولد واحد تجاوز العشرين من عمره، ثم مات فجأة .. وخيم الحزن على البيت .. وكان واضحاً أن الزوجة بلغت من اليأس منذ زمن .. واذا بها تلح على زوجها أن تخطب له زوجة تنجب لها ولدا تقر به أعينهما في خريف العمر!
وخطبت الزوجة لزوجها. وأعرس في دارهما. وكانت الزوجة الأولى من أبر الناس وأرفقهم بالزوجة الجديدة وكأنها ابنتها .. وكان فرحها بالمولود البكر فرحاً جارفاً، فكأنما دبت الخضرة في عودها الجاف، وعود زوجها الثاكل .. وأشهد أن هذا الطفل كان ألصق بصدر زوجة أبيه الكهلة من صدر أمه الشابة. وأشهد أني أدركت من أحوال هذه الأسرة معنى ما حفلت به كتب بني اسرائيل من ندب الزوجة العاقر جارية لها كي تحمل من زوجها وتلد لها نسلا!
وفي اعتقادي ان هذا الرأي المستمد من الواقع في تحديد ظروف التوحد والتعدد هو أقرب ما يكون للتعليل الطبيعي.