يمكن أن نمنع عقداً لمحظور لم يوجد بعد! ولا سبيل الى التحقيق من وجوده في المستقبل؟
نحن مع الأستاذ الجليل أبي زهرة في أن العدل الذي جعل شرطاً دينياً لا يمكن أن يجعل شرطاً قانونياً يتوقف عليه السماح بالتعدد أو عدمه (١).
القيد الثاني: القدرة على الانفاق على الثانية مع الأولى والقدرة على الانفاق على أولاده منهما أو منهن.
وقد قلت إن هذا الشرط يستفاد ضمناً من قوله تعالى {ذلك أدنى ألا تعولوا} على تفسيرها بألا تكثر عيالكم كما ذهب الى ذلك الشافعي رحمه الله.
ويستفاد أيضاً منه اشتراط العدالة، فان الذي لا يستطيع الانفاق على زوجتيه وعلى أولاده منهما لا بد له من أن ينفق على احداهما دون الأخرى، فتنتفي بذلك العدالة المشروطة ديناً، ولا بد له من أن يهمل الانفاق على بعض أولاده وهذا تفريط يحال بينه وبين أسبابه.
إن هذا الشرط ممكن، ويستطيع القاضي أن يتأكد منه، بالسؤال عن قدرته المالية، ومعرفة دخله وإيراده، فاذا وجده قادراً على الانفاق على زوجتيه وأولادهما لم يكن هنالك مانع من السماح له باجراء هذا العقد.
ونحن في هذا نخالف الاستاذ الجليل أبا زهرة في ادعائه بأنه شرط لا يمكن التحقق منه كالعدالة، فالواقع أن هناك فرقاً واضحاً بينهما، ذلك أن العدالة أمر معنوي مغيب لا يعرف إلا عند المعاملة، أما القدرة المالية فهي أمر مادي يمكن أن تعرف حالاً، ولها أدلة تثبتها بكل سهولة، ودعوى الاستاذ أبي زهرة بأنه لم يؤثر عن النبي وصحابته أنهم تحروا في القدرة على الانفاق يجاب بأن المعيشة في عصورهم كانت بسيطة، وكانت الأرزاق على الأولاد وغيرهم جارية فلا خوف من الضياع.
ونرى في هذا الشرط منعاً لاساءة استعمال التعدد في بعض حالاته، حين يقدم بعض الناس على التزوج بأكثر من واحدة، لشهوة عارمة، أو رغبة في التفكه أو الانتقام من زوجته الأولى، وهو غير قادر على الانفاق على البيتين معاً، فتضيع الزوجتان، ويهمل الأولاد، وتتشرد الأسرة.