للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاصلاح بينهما جاز للزوج أن يطلق زوجته الطلقة الثالثة والأخيرة، وتصبح بائنة منه بينونة كبرى بمعنى، أنه لا يستطيع أن يرجعها اليه بعد هذه الطلقة الا بعد اجراء شديد الوقع على نفس الزوج والزوجة معاً وهو أن تكون الزوجة قد تزوجت بآخر بعد انقضاء عدتها من الأول، ثم وقع الخلاف بينهما وبين الثاني فطلقها، عندئذ يجوز للزوج الأول أن يعود اليها بعد عدتها من طلاق الزوج الثاني ويجب أن يكون ذلك كله طبيعياً من غير احتيال ولا تواطؤ.

والحكمة من هذا الاجراء أن الزوج لا يقدم على ايقاع الطلقة الثالثة بعد كل ما سبق من محاولات التحكيم، وبعد طلقتين سابقتين اعتدت المرأة بعدهما، إلا بعد استفحال الخصومة بينه وبين زوجته، بحيث أصبح يعتقد أن استمرار حياتهما الزوجية على هذا الشكل: طلاق وافتراق ثم عودة والتقاء مرتين متتاليتين، أصبح جحيماً لا يطاق، وأنه قرر التخلص نهائياً من هذه الرابطة الزوجية، فأفهمه الشارع أن حين يوقع الطلقة الثالثة قد بانت عليه بينونة كبرى لا سبيل الى رجوعها اليه إلا بعد أن تجري الحياة الزوجية مع زوج آخر، ولو أبحنا له أن يعود الى الزواج منها بعد طلاقها للمرة الثالثة، ثم يعود فيطلقها حين يختلفان، ثم يعود فيرجعها حين يتفقان، لكان ذلك عبثاً في الحياة الزوجية، واستمرار لتعاسة الأسرة وشقائها الى ما لا نهاية، إذن فلا بد من حد يقف عنده الطلاق، وقد قدره الشارع بثلاث تخفيفاً لعذاب الزوج والزوجة والاولاد على السواء.

وحكمة أخرى، وهي أن زواج المرأة من زوج آخر، ثم عودتها الى زوجها الأول، أمر شديد الوقع على نفس كل من الزوج والزوجة وهو مما تنفر منه النفوس الكريمة، فكان تعليق إباحة عودتهما الى الحياة الزوجية بعد الطلقة الثالثة على الزواج بزوج آخر ثم طلاقها منه، منعاً في الحقيقة لايقاع الطلقة الثالثة بحيث لا يقدم عليها الزوج وهو يعلم ما وراءها من حكم قاس تشمئز منه نفسه، إلا وقد يئس نهائياً من استمرار حياته معها.

تلك هي أهم مبادئ الطلاق وخطواته في الاسلام، وهي كما ترى حريصة كل الحرص على أن لا تنقطع الحياة الزوجية لأول خلاف يقع بينهما، بل قد جعل الاسلام لها فرصاً "للهدنة" بينهما يستطيعان فيها إصلاح ما في نفسيهما إن أرادا الاصلاح والعيش معاً في حياة هانئة مستقرة.

<<  <   >  >>