وتظهر هذه العوامل الاجتماعية المؤثرة في حب الطفل للنظام من خلال الألعاب المناسبة للزمان والمكان فهي تختلف باختلاف البيئات الاجتماعية بل تختلف باختلاف الطبقات داخل المجتمع الواحد.
حقا إن هناك ألعابا تتشابه بين الأطفال في جميع أنحاء العالم، ولكننا لا نرى في هذا ما يعارض هذه النسبية ولا ما يدعو إلى افتراض أنها تبعا لذلك ألعاب بالفطرة فنحن نرى فيها مجرد تشابه من جهة، ومن جهة أخرى فإن تشابه البشر في القدرات والإمكانات العقلية لمكونات مع اتصالية الحضارات كفيل بتوضيحه. والملاحظ أن الطفل يصاحبه الخجل عندما يخرج عن قانون اللعب أو لا يحقق النجاح المناسب فيها وربما يعيره غيره من الأطفال، وإنه يتقبل الجزاء وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن هذه الطاعة لقانون اللعب وعن الداعي إليها.
إن اللعب لا يحظى لدى كثيرا من البيئات العربية عموما، وأغلب العائلات المصرية خصوصا بالاهتمام اللازم وذلك نتيجة تصور ضمني يحمله كثير من الآباء المصريين للعب على أنه نشاط ثانوي على الأقل، وأن الطفل الجدي البعيد عن اللعب هو المثالي، فعن طريق تصرف الآباء والأمهات بوحي من هذا التصور في علاقتهم بالطفل، يتكون لديه تناقض وجداني بين ميوله الطبيعية إلى اللعب وبين إرضاء رغبة الكبار في أن يروه مقلعا عن اللعب أو مقلا منه بقدر الإمكان، منصرفا إلى الأمور الجدية، بالإضافة إلى رغبته في أن يكون مثل هؤلاء الكبار، مندمجا في منظومة علاقاتهم.
وإنا لنشاهد بين وقت وآخر كثيرا من الأسر العربية تقارب بين الأطفال بقولهم:"ذاك الطفل هاديء مجد أما أخوه فعقله في اللعب والجري". إن الإيحاء هنا قوى التأثير في جعل أحد الطفلين يمعن في هدوئه وانصرافه عن اللعب للحصول على مثل هذا الإطراء، وجعل الطفل الآخر يكون صورة غير صالحة عن نفسه وعن اللهو واللعب. وكلتا الحالتين تساهم في تكوين مفهوم لذات الطفل غير سوية.
إن الاعتراف بمشروعية اللعب للطفل، لا ينفصل عن الاعتراف باستقلالية شخصيته، وحقه وحريته. إن هذه الظاهرة المتمثلة في عدم الاعتراف بحق الطفل في اللعب تظهر في التسلطية التي يقطع بها الآباء على أطفالهم ممارسة ألعابهم لقضاء أمر من الأمور التي يرونها جدية، وما يبديه الآباء في نهي الطفل، وربما يفاجئه أحد الآباء وكأنه متلبس.