للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمر رضي الله عنهما قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت، ثم خرج وبلال خلفه، فقلت لبلال: هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، فلما كان الغد دخل، فسألت بلالا: هل صلى؟ قال: نعم ركعتين، استقبل الجذعة وجعل السارية الثانية عن يمينه.

وكتب الدارقطني على حاشية هذا الحديث: ابن أبي ليلى ليس بالحافظ ... انتهى.

فهذا الحديث كما ترى لس فيه بيان من دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، فإن حملنا الحديث علي أن ما فيه من الدخولين والصلاة في أحدهما جرى في حجة الوداع في يوم النحر، ومن الغد كما فهم السهيلي، لم ينهض من الحديث دلالة على ذلك، لاحتمال أن يكون اليومان اللذان دخل فيهما النبي صلى الله عليه وسلم، وجرى فيهما ما ذكر في الحديث هما: يوم النحر، ويوم النفر الأول، أو يوم النفر الأول، ويوم النفر الثاني، أو هما فيما بين قدومه مكة، وخروجه منها للوقوف بعرفة، وكان قدومه بمكة صبيحة الرابع من ذي الحجة، وليس في الحديث الذي ذكره الدارقطني على تقدير حمله على حجة الوداع ما يمنع من هذه الاحتمالات: إلا أن في البخاري ما يمنع الاحتمال الأخير، وإن احتمله الحديث الذي ذكره الدارقطني، لأنه في صحيحه: حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا فضيل، حدثنا موسى بن عقبة قال: أخبرني كريب، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة فطاف وسعى بين الصفا والمروة، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة.

وروى البخاري ذلك أيضا في موضع آخر في صحيحه بهذا الإسناد مع أمور أخر تتعلق بحجة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا امتنع الاحتمال الأخير نفي ما عداه، مع احتمال آخر، وهو ما ذكره السهيلي، وكون ما ذكره هو الواقع، مع تجويزه غيره يحتاج إلى دليل ترجيح ما ذكره وهو متعدد. والله أعلم.

وإن حملنا الحديث الذي ذكره الدارقطني على أن ما فيه من الدخولين، والصلاة في إحداهما جرى في زمن الفتح لم يستقم ما ذكره السهيلي من أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في يوم النحر وصلى بها فيه، لكون ذلك يخالف مقتضى ما يحمل عليه الحديث، من أن ما فيه جرى في زمن الفتح، ويخالف أيضا ما صح عن بلال رضي الله عنه من كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة لما دخلها يوم فتح مكة كما سبق.

الوجه الثالث: أن كلام السهيلي يقتضي أن إسناد الحديث الذي أشار إليه حسن، وذلك لا يستقيم لضعف في إسناد الحديث، وفيه علة أخرى وهي النكارة في متنه، لأنا إذا حملناه على زمن الفتح فإنه يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة حين دخلها يوم فتح مكة، وإنما صلى فيها حين دخلها في اليوم الثاني، وذلك يخالف ما صح عن ابن عمر رضي لله عنهما من دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في يوم فتح مكة وصلاته بها في هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>