للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: والعيان يشهد بخلاف ما ذكره البكري في مقدار ما بين حراء ومكة، ولصحة ما ذكر ابن جبير وصاحب "المطالع" في مقداره، والله أعلم.

وقال ابن عطية المفسر في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: ٣٥] ورأيت عن بعض أقوياء العرب أنه كان يمكو على الصفا فيسمع من حراء وبينهما أربعة أميال ... انتهى. وهذا قول ثالث فيما بين حراء ومكة والله أعلم، والمكاء: الصفير.

وذكر الخطابي أن أهل الحديث يخطئون فيه ثلاثة مواضع: يفتحون حاءه، ويكسرون الراء وهما مفتوحان، ويقصرونه وهو ممدود ... انتهى.

وكانت أهل الجاهلية تعظمه وتذكره في أشعارها، فمن ذلك قول أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم:

وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه ... وراق ليرقى في حراء ونازل

وذكره المسلمون في أشعارهم١.

ومنها: جبل ثور بأسفل مكة، لاختفاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه فيه حين هاجرا إلى المدينة، وذلك في غار مشهور فيه، وهو الغار الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، حيث قال سبحانه: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: ٤٠] .

وقد جاء في فضله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنا أبا بكر الصديق قال لابنه: يا بني إن حدث في الناس حدث فأت الغار الذي اختبأت فيه، فإنه سيأتيك رزقك غدوة وعشية، وهذا الحديث رواه البزار في مسنده، إلا أن في سنده موسى بن مطير وهو كذاب٢.

ويروى أن هذا الجبل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إليَّ يا محمد فقد آويت قبلك سبعين نبيا.

وهذا الغار مشهور في هذا الجبل، يأثره الخلف عن السلف ويقصدونه بالزيارة.

وقد ذكر ابن جبير في رحلته أن طول الغار ثمانية عشر شبرًا، وطول فمه الضيق خمسة أشبار، وسعته وارتفاعه عن الأرض مقدار شبر في الوسط منه، ومن جانبيه ثلثا


١ معجم البلدان ٢/ ٨٦، وفيه: "وعير وراق" وانظر شعرا عنه في معجم ما استعجم ٢/ ٤٣٢.
٢ الجرح والتعديل ٨/ ١٦٢ رقم ٧١٧، التاريخ لابن معين ٢/ ٥٦٩ رقم ١٦٠٨، وميزان الاعتدال ٤/ ٢٢٣، ولسان الميزان ٦/ ١٣٠، والخبر ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٣/ ٢٩٧، وعزاه للبزار.

<<  <  ج: ص:  >  >>