للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا تقرر أن الحجون بهذا المكان، فيكون ذلك حد المحصب من جهة مكة، كما هو مقتضى كلام الأزرقي المتقدم ذكره.

ووقع للشيخ تقي الدين بن الصلاح في منسكه، والشيخ محيى الدين النووي في إيضاحه وغيره، والشيخ محب الدين الطبري في "القرى" ما يوهم أن حد المحصب من جهة مكة دون الموضع الذي أشرنا إليه في تفسير الحجون. ونص كلام ابن الصلاح: والمحصب بالأبطح، وهو ما بين الجبل الذي عنده مقبرة أهل مكة إلى الجبل الذي يقابله مصعدا في الشق الأيسر، وأنت ذاهب إلى منى مرتفعا عن بطن الوادي، وليست المقبرة منه، وإنما سمي المحصب لأن السيل يجمع فيه الحصباء ... انتهى.

وكلام النووي والمحب مثل هذا ... انتهى.

وللقاضي عز الدين بن جماعة في منسكه الكبير في حد المحصب كلام مثل هذا ولا تضاد بين ما ذكرناه في كون حد المحصب من جهة مكة الموضع الذي ذكرناه في تفسير الحجون، وبين ما قاله ابن الصلاح، ومن ذكر من العلماء أن المقبرة ليست من المحصب لأن سواد هؤلاء العلماء المشار إليهم أجمعوا على التحديد بالجبل الذي عنده مقبرة أهل مكة، في تعريفهم المحصب: الجبل الذي على يسار الهابط من ثنية كداء بفتح الكاف والمد، فإن مقبرة أهل مكة عنده، أو الجبل الذي على يمين الهابط من الثنية المشار إليها، فإن عنده أيضا مقبرة لأهل مكة، وأيهما كان المراد، فهو يقابل الموضع الذي ذكرناه في تفسير الحجون، فيكون هذا الموضع حد المحصب من جهة مكة، ويكون ما حاذاه من المقبرة مستثنى من عرض المحصب لا من طوله، ويتفق كلام هؤلاء من جهة مكة عند ابن الصلاح، ومن قال بقوله من الأئمة المشار إليهم، دون الموضع الذي أشرنا إليه في حد المحصب، وأن المقبرة غير داخلة في حده طولا، لقالوا حده من جهة مكة طرف المقبرة من أعلاها، ولم يحتاجوا إلى التنبيه على أن المقبرة لا تدخل فيه، فإن هذه العبارة وما شابهها يقتضي ذلك، ولكن لما كان المحصب من جهة مكة الموضع الذي أشرنا إليه ولم يكن في محاذاته سوى أحد الجبلين اللذين بينهما الثنية المشار إليها، قالوا في تعريفه: هو ما بين الجبل الذي عنده مقبرة أهل مكة، والجبل المقابل له؛ يعنون الحجون واستثنوا المقبرة مما بين الجبلين، لأن موضعهما ليس محصبا لمزدلفة، فإن المحصب هو ما سهل من الأرض لأن العلماء فسرو المحصب بأنه الموضع الذي يجتمع فيه حصب من السيل، وموضع المقبرة ليس بهذه الصفة، ويدل لصحة هذا التأويل أن المحصب هو الأبطح، والبطحاء على ما قال المحب الطبري، ولا ريب في كون الموضع الذي أشرنا إليه من الأبطح، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>