للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فما هو إلا أن طرحنا ذلك في البئر، حتى كان من أخذ بيدي وأوقفني على مكان وقال: احفروا ههنا، قال: فحفرنا، فإذا بالماء يموج في ذلك الموضع، وإذا طريق منقورة في الجبل يمر تحتها الفارس بفرسه، فأصلحناها ونظفناها فجرى الماء فيها نسمع هديره، فلم يكن إلا نحو أربعة أيام، وإذا بالماء بمكة، وأخبرنا من حول البئر أنهم لم يكونوا يعرفون في البئر ما يريدونه، فما هو إلا أن امتلأت وصارت موردا ... انتهى.

والشيخ شمس الدين الحنبلي المذكور في هذه الحكاية هو ابن قيم الجوزية١، وقال بعد ذكرها: وهذا الرجل الذي أخبر بهذه الحكاية كنت نزيله وجاره، وخبرته فرأيته من أصدق الناس وأدينهم وأعظمهم أمانة، وأهل البلد كلمتهم واحدة على صدقه ودينه، وشاهدوا هذه الواقعة بعيونهم ... انتهى. وبئر عبد الصمد المذكور في هذه الحكاية لا تعرف الآن، والعين المشار إليها عين بازان، ويغلب على ظني أن الماء جرى فيها لما عمرها أصحاب جوبان، والله أعلم.

ذكر المطاهر التي بمكة:

بمكة مطاهر أعظمها نفعا: مطهرة الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر عند باب بني شيبة، وكان اشترى موضعها من الشريفين عطيفة٢ ورميثة٣ ابني أبي نمى أميري مكة نيابة عنه بخمسة وعشرين ألف درهم، وكانت عمارتها في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وفيها وقفت٤.

ومنها: مطهرة الأمير المعروف بآل ملك نائب السلطنة بمصر عند باب الحزورة، وأظن أنه عمرها في سنة خمس وأربعين وسبعمائة٥، والله أعلم، وهي الآن معطلة.

ومنها: مطهرة الأمير صرغتمش الناصري أحد كبار الأمراء في دولة الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهي فيما بين البيمارستان المستنصري ورباط أم الخليفة، وتاريخ عمارتها سنة تسع وخمسين وسبعمائة، ثم عمرها في عصرنا بعض تجار الشام وأدارها في سنة ثمان وثمانمائة أو في التي بعدها، وعمرت في سنة إحدى عشرة وثمانمائة من وصية أوصى بها بعض تجار العجم وأدبرت فيها.


١ هو العالم المعروف محمد بن أبي بكر بن أيوب. ولد سنة ٦٩١، وتوفي سنة ٧٥١هـ.
٢ هو عطيفة بن محمد بن حسين، مات بعد سنة ٧٣٨هـ "الدرر الكامنة ٢/ ٤٥٥، ٤٥٦ رقم ٢٦٢٨".
٣ رميثة: أسد الدين أبو عرادة بن أبي نمى -بالنون مصغر ولي إمرة مكة مع أخيه حميضة، توفي سنة ٧٤٨هـ "الدرر الكامنة ٢/ ٢٠٦، ٢٠٧ رقم "١٧٢٨".
٤ إتحاف الورى ٣/ ١٨٧.
٥ إتحاف الورى ٣/ ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>