للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعرفة من المزدلفة غداة جمع، وكان يدفع بهم أبو سيارة على حمار له عري، وكان يقول: أشرق ثبير لكي نغير وإذا أراد أن يدفع قال:

يا رب البعير الأسود ... على ما يحسد فهل أنت تحسد

على دمول جعلد ... ورثها أبي وجدي

ففي ذلك أنزل: {أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} [الأعراف: ٢٦] .

وقال أيضا: وحدثنا حسن بن الحسين الأزدي، عن أبي عبد الله بن الأعرابي، عن هشام بن الكلبي، عن أبيه نحوا من الأحاديث الأولى، وزاد فيه: فكان كرب بن صفوان بن شحنة بن عطارد يأخذ بالطريق؛ فلا يفيض أحد من عرفات حتى تغيب الشمس، وكان يلي ذلك منهم -يعني الإجازة- كرب بن صفوان، وكانوا يقفون ولا يعرفون الوقوف بها؛ فيقيمون يفتخرون بآبائهم وبأفعالهم، ويسألون لدنياهم، فأنزل الله عز وجل: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة: ٢٠٠] ؛ فإذا غربت الشمس سارع نحو جمع، ويسيرون خلفه، لكل حي مجيز سوى ذلك، حتى يأتوا الحمس في جوف الليل، فيقضوا معهم، وقد أخذ الطريق، لا يخرج أحد قبل طلوع الشمس؛ فإذا أصبحوا قام أبو سيارة عميلة بن الأعزل بن خالد بن الحرث العدواني فقال: أشرق ثبير كيما نغير، اللهم إني سالك طريقة قريش فبين لنا يا رب حقنا، ثم يقول: اللهم أصلح بين نسائنا، وبض بين رعائنا، واجعل أموالنا عند سمحائنا. ثم يفيض من مزدلفة إلى منى على فرس له، وإن حمير عرضت لأبي سيارة ذات عام فقالوا: نحن أولى بهذا منك؛ فقال: كذبتم، أنتم في بلدي ونسكي وديني، هذا أمر نحن شرعناه أولا، وبنا اقتدت العرب فيه، وهذا ميراث لنا عن آبائنا، والحرمة حرمتنا؛ فأبوا عليه، وتعلقوا بلجامه؛ فقال: يا آل قيس؛ فلم يكن بها كثيرا أحد من قيس يقيم، فقال: يا آل مضر، فطار إليه بنو أسد بن خزيمة وبنو كنانة واستنقذوه. ثم قالوا: والله لا يجيز بهم إلا على حمار؛ فإنهم قد استنبطوا من الخيل، فحملوه على حمار، ثم زفرا حوله قليلا قليلا، وهم يقولون:

نحن دفعنا عن أبي سيارة ... وعن مواليه بني فزرة

حتى أجاز سالما حماره ... مستقبل الكعبة يدعو جاره

وقد قال ذو الأصبع العدواني: ومنهم من يجيز الحج بالسنة والفرض.

فإذا أتى الناس منى، قام فيهم رجل يقال له: صوفة كان على صدقة الكعبة، وكان الذي يجيز بهم من صوفة: ثور بن أصفر؛ فإذا أجاز الناس في الأبطح اجتمعت كندة إلى بكر بن وائل، فأجازوا بهم حتى يبلغوا البيت، وقد قال الشاعر:

وكندة إذ ترمي الجمار عشية ... يجيز بها حجاج بكر بن وائل

<<  <  ج: ص:  >  >>