للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أن ابن إسحاق لم يبين صفة راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وقد بين ذلك الفاكهي؛ لأنه قال: حدثنا الحسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا شريك بن عبد الله النخعي، عن عمار الذهبي، عن ابن الزبير، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ولواؤه أبيض. قال الحسن بن علي: يعني يوم الفتح ... انتهى.

ومنها: أن كلام ابن إسحاق يفهم أن أبا عبيدة بن الجراح كان يوم فتح مكة على المشاة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال: وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ... انتهى. ويتأيد ذلك بما رويناه في "صحيح مسلم"١ من أن أبا عبيدة كان على البيادقة يعني الرجالة، وقد سبق ضبط البيادقة٢ في الباب الأول، فأغنى عن إعادته.

وذكر الفاكهي ما يقتضي أن أبا عبيدة لم يكن يوم الفتح -أي فتح مكة- على الرجالة إلا في الخبر الذي سبق ذكره عنه في بيان سبب حسب أبي سفيان حتى مر عليه جنود الله. قال: ادعوا إلى عبيدة بن الجراح، فدعى له، قال: يا أبا عبيدة ضم إليك الناس. قال: نعم، وضم إليه الناس، قال: وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضعفاء، وفي المشاة، وفي الردافى ... انتهى. ويتأيد ذلك في حيث المعنى بأن المقصود إرهاب أبي سفيان، وإرهابه بمرور أبي عبيدة ومعه غير المشاة؛ أقوى من إرهابه بمرور أبي عبيدة عليه والمشاة مع أبي عبيدة ... والله أعلم.

ومنها: أن كلام ابن إسحاق يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم فتحها من أذاخر٣؛ لأنه قال: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من أذاخر حتى نزل بأعلى مكة، ضربت هناكل قبته ... انتهى.

وذكر ابن عقبة ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل من ثنية كداء بأعلى مكة؛ لأنه قال: ولما علا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنية كداء نظر إلى البارقة على الجبال، ثم فضض المشركين، فقال: "ما هذا؟ نهيت عن القتال"؛ فقال المهاجرون: نظن أن خالدا قوتل وبدئ بالقتال، فلم يكن له بد من أن يقاتل من قاتله، وما كان ليعصيك، ولا ليخالف أمرك، فهبط رسول الله من الثنية، فأجاز على الحجون ... انتهى.

وذكر الفاكهي ما يوافق ما ذكره ابن عقبة؛ لأنه قال: حدثني عبد الله بن شبيب قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني معن بن عيسى، عن عبد الله بن عمر، عن


١ صحيح مسلم "فتح مكة: ٨٦".
٢ "البيادقة" هم الرجالة من الجيش، وسموا بذلك لخفتهم وسرعة حركتهم.
٣ "أذاخر": جبل قريب من مكة في الشمال الغربي لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>