للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان بعد ذلك أيضا سيل عظيم -في سنة أربع وثمانين ومائة- وحماد البربري أمير على مكة -دخل المسجد الحرام، وذهب بالناس وأمتعتهم، وغرق الوادي في أثره في خلافة الرشيد هارون١.

وجاء سيل في سنة اثنتين ومائيتين في خلافة المأمون، وعلى مكة: يزيد بن محمد بن حنظلة المخزومي، خليفة لحمدون بن علي بن عيسى بن ماهان؛ فدخل المسجد الحرام وأحاط بالكعبة، وكان دون الحجر الأسود بذراع، ورفع المقام عن مكانه؛ لما خيف عليه أن يذهب به السيل، وهدم دورا من دور الناس، وذهب بناس كثير، وأصاب الناس بعده مرض شديد من وباء وموت وفاش؛ فسمى ذلك السيل: سيل ابن حنظلة٢.

ثم جاء بعد ذلك في خلافة المأمون، هو أعظم من سيل ابن حنظلة في سنة ثمان ومائتين في شوال، جاء والناس غافلون؛ فامتلأ السد الذي بالثقبة٣، فلما فاض انهدم السد، فجاء السيل الذي اجتمع فيه مع سيل السدرة، وسيل ما أقبل منى؛ فاجتمع ذلك كله، فجاء جملة، فاقتحم المسجد الحرام، وأحاط بالكعبة، وبلغ الحجر الأسود، ورفع المقام من مكانه لما خيف عليه أن يذهب به، فكبس المسجد الحرام والواغدي بالطين والبطحاء، وقلع صناديق الأسواق ومقاعدهم، وألقاها بأسفل مكة، وذهب بأناس كثيرين، وهدم دورا كثيرا مما أشرف على الوادي. وكان أمير مكة يومئذ: عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- وعلى بريد مكة وصوافيها: مبارك الطبري. وكان وافى تلك السنة للعمرة في شهر رمضان قوم من الحجاج من أهل خراسان وغيرهم كثير؛ فلما رأى الناس من الحجاج وأهل مكة ما في المسجد من الطين والتراب، اجتمع الناس فكانوا يعملون بأيديهم ويستأجرون من أموالهم؛ حتى كان النساء بالليل والعواتق يخرجن فينقلن التراب التماس الأجر والبركة؛ حتى رفع من المسجد الحرام ونقل ما فيه؛ فرفع ذلك إلى المأمون فأرسل بمال عظم، وأمر أن يعمر به في المسجد، ويبطح ويعزق وادي مكة، فعزق منه وادي مكة، وعمر المسجد الحرام وبطح، ثم لم يعزق وادي مكة، حتى كانت سنة سبع وثلاثين ومائتين؛ فأمرت أم أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله باثنتي عشرة ألف دينار لعزقه، فعزق بها عزقا مستوعبا٤ ... انتهى.


١ أخبار مكة للأزرقي ٢/ ١٧٠.
٢ إتحاف الورى ٢/ ٢٧٩، أخبار مكة للأزرقي ٢/ ١٧٠.
٣ الثقبة -بالتحريك: جبل بين حراء ومكة وتحته مزارع "مراصد الاطلاع ١/ ٢٧٩".
٤ إتحاف الورى ٢/ ٢٨٢، أخبار مكة للأزرقي ٢/ ٢٧١، أخبار مكة للفاكهي ٣/ ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>