والصاع هو الزبيدي -فيما أحسب- وهو ربع المد المكي. أو صاع طائفي؛ وهو نحو نصف المد المكي، وفيه بعد، وليس هو الصاع المكي بلا ريب؛ لكثرته ويسارة الثمن، والله أعلم.
ومن ذلك: أنه على رأس سنة ستمائة، كان بمكة غلاء شديد ووباء، ذكر ذلك الشيخ أبو العباس الميورقي؛ لأني وجدت بخطه: أن القاضي عثمان بن عبد الواحد العسقلاني المكي، أخبره أنه ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، قال: وهذا تاريخ غلاء مصر الكبير، بقي نحو سنتين، ثم كان بأثره غلاء الحجاز المعروف بحوطته نحو سنتين، ثم أمطر الله البلاد؛ فوقع وباء الميلة سنين أيضا على رأس الستمائة ... انتهى.
ومن ذلك: أنه في سنة ثلاثين وستمائة، أو في التي بعدها كان بمكة غلاء يقال له:"غلاء ابن مجلى"؛ لأن الميورقي قال -فيما وجدت بخطه، بعد أن ذكر فتنة كانت بمكة في سنة تسع وعشرين وستمائة: ثم جاء غلاء ابن مجلى بأثر ذلك ... انتهى، ولم يبين الميورقي ابن مجلى هذا، وهو أمير كان بمكة من جهة الملك الكامل.
ومن ذلك على ما قال ابن محفوظ: في سنة تسع وأربعين وستمائة: وقع بمكة غلاء عظيم، وأقام الغلاء سنة١ ... انتهى.
ومن ذلك: أنه في عشر السبعين وستمائة، كان بمكة غلاء شديد، ذكر الميورقي؛ لأني وجد بخطه: فاشتد العلاء من آخر سنة ثلاث في الموسم، واستمر سنة أربع وستين، وتمادى إلى سنة خمس وستين ما لم يسمع بمثله في هذا العصر قط. قال: وسمعت علي بن الحسين يتذاكر مع مسعود بن جميل؛ فقالا: إن سنة الغلاء الكبير بالحجاز المعروفة بسنة حوطة، ما دامت، وذكر أن فوقها كان الميلة بالطائف والحجاز، على رأس الستمائة؛ فوجدت الغلاء الكبير؛ فلما فرغ كانت حوطة، وذكر لفي في هذا الغلاء سنة أربع وستين شيخ مصري أن هذا الغلاء اليوم في الحجاز مضاعف على الغلاء الذي الكبير الذي كان بمصر على قرب رأس الستمائة، أباد عالما من المصريين، وأكلوا فيه بعضهم بعضا.
وكان يعجب من صبر أهل الحجاز، وعدم افتضاحهم وكثرة مروءتهم في هذه الشدة، فصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"الإيمان في أهل الحجاز".
ووجدت بخطه: وفي أواخر جمادى الآخرة سنة خمس وستين وستمائة في شهر تماز لطلوع الفجر بالفزع اشتد الخوف على البادية لتمام قحط السنين عليهم، وغلاء السعر بالطائف، وبلغ السعر في مكة: الشعير: ربع وثلثيه بدينار، وكان في رمضان.