للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحاديث تقتضي امتناع هذه الأمور بالمدينة النبوية، لكن لمكة في ذلك على المدينة مزية من ثلاثة أوجه:

الأول: وجوب الجزاء في صيد مكة بالإجماع بخلاف المدينة ففيه خلاف.

الثاني: وجوب الجزاء في شجر مكة عند الشافعي وابن حنبل رحمهما الله.

الثالث: أنه لم يقل أحد من علماء الأمة فيما علمت بعدم تملك لقطة المدينة. ولمكة أيضا أحكام تخصها، وأحكام تشاركها المدينة فيها.

فمن الأحكام التي تخص مكة: أن الصلاة فيها تضاعف على الصلاة في غيرها، لأحاديث صحيحة وردت في ذلك يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

ومنها: تضاعف ثواب القربات بها، الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

ومنها: تضاعف السيئة بها، كما قال مجاهد، وأحمد بن حنبل فيما حكاه عنهما المحب الطبري في "القرى"١، ومثل ذلك نقل عن غيرهما، والصحيح من مذهب العلماء أن السيئة بمكة كغيرها، والله أعلم.

ومنها: أن الإنسان يؤاخذ بهمه بالسيئة بمكة وإن كان نائيا عنها، كما هو مقتضي الحديث الذي رويناه في مسند الإمام أحمد بن حنبل من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ولفطه في المسند حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة، عن السدي أنه سمع عبد الله رضي الله عنه قال شعبة: ورفعه لي ولا أرفعه للمنقول في قوله عز وجل: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: ٢٥] قال: لو أن رجلا هم فيه بإلحاد، وهو بعدن أبين٢ لأذاقه الله عذابا أليما ... انتهى.

ووجه اختصاص مكة بهذا الحكم: أن غيرها من البلاد إذا هم الإنسان فيها بسيئة لا يؤاخذ بها إلا إذا عملها، كما هو مقتضى حديث ابن عباس -رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل في كتابه الحسنات والسيئات: "وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة" وهذا الحديث في الصحيحين، وهو بظهره يقتضي عموم البلاد في هذا الحكم، فيدخل في ذلك مكة، ولكن حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- المشار إليه يخصها، والله أعلم.

وكنت غفلت عن ذكر هذه الخصوصية، فكتب إلى بعض علماء عصرنا ممن وقف على بعض هذ الكتاب يذكرها لي، ونص ما كتبه إلي: رأيت مختصر مولانا لأخبار


١ القرى "ص: ٦٥٩".
٢ عدن أبين: هي جزيرة باليمن أقام بها "أبين" رجل من حمير.

<<  <  ج: ص:  >  >>