للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عدوهم فكان منها ما يعرف اسمه، ومنها ما لا يعرف اسمه، ومنها ما يعرف باسم سيده، ومنها ما لا يدري لمن كان، ومنها ما ذكر في الشعر، ومنها ما لم يذكر، وكان ما بني من الآطام للعرب بالمدينة ثلاثة عشر أطما.

ذكر نزول الأوس والخزرج المدينة:

قالوا: فلم تزل اليهود العالية بها الظاهرة عليها حتى كان من سيل العرم ما كان وما قص الله في كتابه، وذلك أن أهل مأرب وهي أرض سبأ كانوا آمنين في بلادهم تخرج المرأة بمغزلها لا تتزود شيئا تبيت في قرية وتقيل في أخرى حتى تأتي الشام فقالوا: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: ١٩] ، فسلط الله عليهم العرم١ وهو جرذ، فنقب عليهم حتى دخل السيل عليهم فأهلكهم وتمزق من سلم منهم في البلاد، وكان السد فرسخا في فرسخ، كان بناه لقمان الأكبر العادي، بناه للدهر على زعمه، وكان يجتمع إليه مياه أهل اليمن من مسيرة شهر، فكان تمزيقهم، ويروى أن طريفة بنت ربيعة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر بن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغفوث قالت٢: أُتيت في المنام فقيل لي: رب أسير ذاب، شديد الذهاب، بعيد الإياب، من واد إلى واد، وبلاد إلى بلاد، كدأب ثمود وعاد، ثم مكثت ثم قالت: أُتيت اليلة فقيل لي: شيخ هرم، وجعل لزم، ورجل قرم، ودهر أزم، وشر لزم، يا ويح أهل العرم، ثم قالت: أُتيت الليلة فقيل لي: يا طريفة لكل اجتماع فراق، فلا رجوع ولا تلاقٍ، من أفق إلى آفاق، ثم قالت: أُتيت اليلة في النوم فقيل لي: رب ألب موالب، وصامت وخاطب، بعد هلاك مارب، قالت: ثم أُتيت في النوم فقيل لي: لكل شيء سبب، إلا غبش ذو الذنب، الأشعر الأزب، فنقب بين المقر والقرب، ليس من كاس ذهب، فخرج عمرو وامرأته طريفة، فيدخلان العرم٣ فإذا هما بجرذ يحفر في أصله ويقلب بيديه ورجليه الصخرة ما يقلبها خمسون رجلًا، فقال: هذا والله البيان، وكتم أمره وما يريد، وقالا لابن أخيه وداعة بن عمرو: إني سأشتمك في المجلس فالطمني فلطمه، فقال عمرو: والله لا أسكن بلدًا لطمت فيه أبدا. من يشتري مني أموالي؟ قال: فوثبوا واغتنموا غضبته تزايدوا في ماله فباعه، فلما أراد الظعن قالت طريفة: من كان يريد حمرا وحميرا وبرا وشعيرا وذهبا وحريرا وسديرا فلينزل بطوى، ومن أراد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلج يثرب


١ وقع سيل العرم في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد أي قبل ظهور الإسلام بنحو سبعة قرون، وقد حطم السيل سد مأرب فأغرق البلاد، وتفرق أهلها في كل مكان.
٢ كانت طريفة من كاهنات العرب، وكانت تستفتي في شتى المسائل المعقدة، فتجيب السائل بكلام ينطق بما يشبه الحكمة، على أسلوب سجع الكهان.
٣ استعمل العرم هنا بمعنى الجرذ، ويطلق أيضا على السيل وعلى الموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>