للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكسر من تعاليم المانوية أو أن يخضد من شوكتها. وظل الإيرانيون بعد الإسلام يتعلقون بها؛ حتى إذا انتهينا إلى زمن العباسيين وجدناها لا تزال حية مزدهرة، ولا يزال كثير منهم ثنويًّا يؤمن بإلهي النور والظلمة. وكان نَفَرٌ منهم يعلن إسلامه في الظاهر ويضمر في الباطن تلك الزندقة أو تلك المانوية وما أذاعه ماني من عقائد وتعاليم، ويشرح الجاحظ طرفًا من هذه التعاليم فيقول١:

"إن المنانيَّة تزعم أن العالم بما فيه من عشرة أجناس، خمسة منها خير ونور وخمسة منها شر وظلمة، وكلها حاسَّة وحارّة، وأن الإنسان مركب من جميعها على قدر ما يكون في كل إنسان من رجحان أجناس الخير على أجناس الشر ورجحان أجناس الشر على أجناس الخير، وأن الإنسان وإن كان ذا حواس خمسة فإن في كل حاسة متونًا من ضده من الأجناس الخمسة؛ فمتى نظر الإنسان نظرة رحمة فتلك النظرة من النور ومن الخير، ومتى نظر نظرة وعيد فتلك النظرة من الظلمة، وكذلك جميع الحواس. وإن حاسة السمع جنس على حدة وإن الذي في حاسة البصر من الخير والنور لا يعين الذي في حاسة السمع من الخير؛ ولكنه لا يضاده ولا يفاسده ولا يمنعه فهو لا يعينه لمكان الخلاف والجنس ولا يعين عليه لأنه ليس ضدًّا. وإن أجناس الشر خلاف لأجناس الشر ضد لأجناس الخير، وأجناس الخير يخالف بعضها بعضًا ولا يتضادُّ. وإن التعاون لا يقع بين مختلفها ولا بين متضادها؛ وإنما يقع بين متفقها". وكان ماني يحرم ذبح الحيوان، ودعا إلى الزهد في الحياة والتقشف، وفرض على أتباعه صلوات كانوا يستقبلون بها الشمس، فيدعون ويزمزمون.

وكلمة زنديق أي مانويّ ليست عربية وإنما هي فارسية، عربت وأطلقت بنفس الاصطلاح الذي كانت تطلق به في بيئتها الأصلية أي على أصحاب ماني، وقد كثر هؤلاء الزنادقة منذ فاتحة العصر العباسي، حتى إذا كنا في عصر المهدي وجدنا موجتها تبلغ أقصى حدتها، حتى يضطر إلى اتخاذ ديوان للفحص عنهم والتنكيل بهم، وأكبر الظن أنه لم يجد فيهم خطرًا على الإسلام وحده،


١ الحيوان ٤/ ٤٤١.

<<  <   >  >>