للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقول: "زاده الشُّلتان"١. ولما تردد منه ذلك على سَمْع المهلب أهدى إليه غلامًا فصيحًا يكفيه مئونة إنشاده شعره.

وهذا فيما يختص بالموالي، ما العرب فإننا نلتقي في أواخر العصر الأموي بشاعرين عربيين حضريين، لم ينشآ في البادية، وهما الطِّرِمّاح والكميت. ما الطرماح فيروون أنه كان يكتب ألفاظ النبط الآراميين ويدخلها في شعره٢، وكان معلمًا يؤدب الصبيان فتعلق بأن يقدم لهم شعرًا مملوءًا بالألفاظ الغريبة؛ ولكن أنَّى له وهو ليس بدويًّا؟ لقد لجأ إلى طريقة سهلة: أن يسأل البدو ومن نشئوا في البادية عن بعض الألفاظ الآبدة ويسلكها في نظمه٣، وكان يوفق أحيانًا في استخدامها وأحيانًا لا يوفق، ومن أجل ذلك رفض علماء اللغة الاحتجاج بشعره٤. ولم يكن الكميت يشرك الطرماح في الظاهرة الأولى ظاهرة استعارة الألفاظ النبطية في شعره؛ ولكنه كان يشركه في الظاهرة الثانية؛ إذ كان يرجع إلى رؤبة الراجز البدوي، فيسأله عن الغريب من الكلم فيخبره به ويكتبه، ثم ينظمه في شعره٥، وكذلك كان يرجع إلى جدَّتين له أدركتا الجاهلية؛ فكانتا تصفان له البادية وشئونها، وينقل وصفهما إلى أشعاره٦. وبذلك كان مثلَ صاحبه لم يتغذ بلبان البادية مباشرة، فأخطأته الفطرة اللغوية في كثير من ألفاظه وأوصافه، وصوَّر ذلك ذو الرمة تصويرًا طريفًا حيت أنشده بعض قصائده وسأل رأيه، فقال له: "إنك لتقول قولًا ما يقدر إنسان أن يقول لك فيه أصبت ولا أخطأت، وذلك أنك تصف الشييء فلا تجيء به ولا تقع بعيدًا منه، بل تقع قريبًا" واعترف له الكميت بأن مرجع ذلك أنه لا يصف شيئًا رآه بعينه


١ البيان والتبيين ١/ ٧١.
٢ الموشح للمرزباني ص٢٠٨.
٣ الأغاني "طبعة دار الكتب" ١٢/ ٣٦، والموشح٢٠٩.
٤ الموشح ص٢٠٨، ٢٠٩.
٥ الأغاني ١٢/ ٣٦، والموشح ١٩٢.
٦ الأغاني "طبعة الساسي" ١٥/ ١٢٠.

<<  <   >  >>