للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى له أيضًا قصيدتين طويلتين في أصناف الحيوان وعجائب صنع الله في خلقه وما أودع هذا الخلق من حكمته١. ونجد الجاحظ يروي لكثيرين أشعارًا في هذا الباب مثل الحكم بن عمرو البهراني وقصيدته في غراب الخلق٢، ومثل هارون مولى الأزد وشعره في الفيل٣، وكان هنديًّا من أهل المولتان.

وبذلك أعد المتكلمون -وعلي رأسهم المعتزلة من أمثال بشر- لشيوع الشعر التعليمي "Poesie Didactique" منذ أوائل العصر العباسي، ويظهر أن الشعراء كانوا يؤثرون فيه قالب المزدوج الذي نظم فيه بشر بعض أشعاره، وقد نظمت فيه مزدوجة طويلة في الفلك لمحمد بن إبراهيم الفزاري، ويقول ياقوت: "إنها تدخل مع تفسيرها في عشرة أجلاد، أولها:

الحمد لله العلي الأعظم ... ذي الفضل والمجد الكبير الأكرم

الواحد الفرد الجواد المنعم

الخالق السبع العُلَى طباقًا ... والشمس يجلو ضوؤها الإغساقا

والبدر يملا نوره الآفاقا

وهي هكذا ثلاثة أقفال، ثلاثة أقفال٤". ومر بنا أن أبان بن عبد الحميد صاغ للبرامكة كليلة ودمنة شعرًا، واختار لشعره هذا القالب؛ إلا أنه لم يجعله في ثلاثة أقفال، إنما جعله في قفلين قفلين على نمط المزدوج عند بشر، ويقول الجاحظ: إن بشرًا كان أبرع في ذلك وأقدر من أبان، وإنه لم يرد أحدًا يبلغ قوته على المخمس والمزدوج٥. وعلى هذا الغرار نفسه نظم أبو العتاهية أرجوزته "ذات الأمثال" وقد بلغت أربعة آلاف بيت كلها أمثال وحكم على شاكلة قوله:

حسبك مما تبتغيه القوت ... وما أكثر القوت لمن يموت

لكل ما يؤذي وإن قل ألم ... ما أطول الليل على من لم يَنَمْ

ما انتفع المرء بمثل عقله ... وخير ذخر المرء حسن فعله


١ الحيوان: ٦/ ٢٨٣ وما بعدها.
٢ الحيوان ٦/ ٨٠.
٣ الحيوان ٧/ ٧٥، ١١٥.
٤ معجم ياقوت "طبعة مصر" ١٧/ ١١٨.
٥ أمالي المرتضى ١/ ١٨٧.

<<  <   >  >>